ورياحا القيروان وباجة، ودريدا قسنطينة، وكتب إلى المعز:"قد أنفذنا إليكم خيولا فحولا وأرسلنا عليها رجالا كهولا ليقضي الله أمرًا كان مفعولا".
نزل رعيل العرب برقة، وأعجبتهم أرضها، فكتبوا إلى إخوانهم بالصعيد يرغبونهم في اللحاق بهم، ولكن حكومة بني عبيد لم تأذن لهم هذه المرة إجازة النيل إلا بأداء دينارين لكل شخص، فأخذ القادرون على الأداء في الرحيل حتى ضاقت بهم برقة، فبقي بنو سُلَيْم بها، وتقدم بنو هلال إلى إفريقيا.
كان كل من بني عبيد وصنهاجة يجهلون نتيجة هذه الحملة، فاستكثر المعز من شراء العبيد حتى اجتمع له منهم ثلاثون ألفًا، وتقدمت رياح سنة ٤٤٣ هـ لامتلاك أقطاعها، فاحسن المعز إلى أميرهم مؤنس بن يحيى وأصهر إليه وأسكنه ببعض قصوره بالقيروان، فحسنت معه نية مؤنس وعاد تشاؤم المعز بمقدمهم تفاؤلا، ففكر في اتخاذ جند منهم يتقوى بهم علي بني عمه الحماديين. وعرَّفه مؤنس عواقب دخول العرب مملكتهم، وحذره فسادهم، فأبى إلا استقدامهم، فذهب إليهم مؤنس بدعوى المعز، فقدموا ولكن بدعوى المستنصر الفاطمي وأخذوا يعيثون في الأرض فسادًا.
ساءت نية المعز مع مؤنس واتهمه بإغراء العرب على الفساد، فقبض على أخيه وأهله بالقيروان، فورم أنف مؤنس لفعلته، وجمع العرب ووضع بين أيديهم زربية قائلا: هل يستطيع أحد أن يبلغ وسطها دون أن يطأ حواشيها؟ قالوا: لا، قال كذلك القيروان لا نملكها إلا إذا ملكنا ضواحيها.
استعد المعز لحرب العرب فجمع عبيده وقومه وبقايا عرب الفتح، واستمد ابن عمه الحمادي فأمده بألف فارس، واستنفر زناته، فأتاه منهم ألف فارس، ولحق برياح زغبة وعدي، وكانت جموع المعز أضعافهم، ولكن قد قيل قديمًا:"للكثرة الرعب وللقلة النصر".
تزاحف الجمعان، فانخزل عرب الفتح إلى إخوانهم الهلاليين، وخانت زناتة وصنهاجة الحمادية، فترك المعز معسكره للعرب، وفر إلى القيروان، واستولى العرب على إفريقيا ومدنها مثل أبة والإربس وباجة، وخشي المعز على نفسه بالقيروان، فلحق في خفارة بعض أمراء العرب بالمهدية سنة ٤٤٩ هـ وذاق وبال