البنادق تجمعت في جبل عرفات ولم يفطن الهذليون لتهريبها بعيدًا.
وقبيل الغروب انهزم الهذليون تاركين الجمال حيث كانت فأخذها أهلها. وقد سألت شيخًا من هذيل عمن غلب في ذلك اليوم؟ فقال والابتسام على فمه:(ومن يقدر في حرب؟!).
وكانت هذه الوقعة بعد المقتلة بعام أو عامين.
[٤ - يوم السوق الصغير]
وبعد الوقعة المشار إليها سابقًا بعام اعتدى هذلي على حربي في السوق الصغير بمكة فقتله رميًا بالرصاص. فتنادت حرب وانحازت هذيل إلى المعابدة، فأدركتهم حرب إلى الغويرات من سفح ثبير وامتدت المعركة إلى منى، فظلت آخر اليوم الأول وليلته ومعظم اليوم الثاني، وقتل فيها خلق كثير فوقع القتل في هذيل حتى كان يخرج الخمسة والستة من الغار فيقتلون!. هكذا على مرأى ومسمع من الدولة إن كان هناك دولة في تلك الأيام. والأغرب من ذلك ما روى لي من حضرها. فقال: أخذت الحكومة التركية تمد قبيلة حرب بالسلاح والعتاد، وأخذ الأشراف يمدون قبيلة هذيل بمثل ذلك. وهكذا - إذا صح ذلك - فبدلًا من أن تقوم الدولة بواجبها في حفظ الأمن وتضرب على أيدي العابثين نراها تساعد على القتال في البلد الحرام الذي حرمه الله يوم خلق السموات والأرض (١). فيا من ترفلون اليوم في هذا الأمن وتنتقلون في جميع الديار دون خوف ولا سلاح ولا رفاق أيضًا! يا هؤلاء احمدوا الله على ما آل إليه حالنا بعد تلك العصور التي تستباح فيها الحرمات وتعتبر قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق شجاعة وفتوة.
وأنا والله لا أقول هذا تملقًا لأُولات الأمور فأنا والله أبعد الناس عن ذلك، وأكرههم له، ولكنه الحق يفرض نفسه، والله لا يستحي من الحق، واللهم إني أسألك دوام هذه النعم وتبصير من لا يراها.
(١) هذا يذكرنا بما يحدث اليوم في بعض البلاد العربية، نسأل الله العافية.