للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٤) يوم السُّلَّان (*)

كان بنو عامر بن صعصعة في الجاهلية قومًا حُمْسًا (١) لقَاحا (٢)، فلما ملك النعمان بن المنذر كان يُجهِّز كل عام لَطِيمة (٣) لتُباع بعكاظ، فتَعرَّض لها بنو عامر يومًا.

فغضب النعمان، فبعث إلى وبرة الكلبي، أخيه لأمه، وإلى صنَائعه (٤)، ووضائعه (٥)، وأرسل إلى بني ضبَّة بن أُدَّ وغيرهم من الرِّباب وتميم، فأجاب وأتاه ضرار بن عمرو الضبي في تسعة من بنيه كلُّهم فوارس، ومعه حُبيش بن دلف - وكان فارسًا شجاعًا - واجتمعوا في جيش عظيم.

وجهَّز النعمان معهم عيرًا، وأمرهم بتسييرها، وقال: إذا فرغتم من عُكاظ، وانسلَخَت الأشهر الحُرم (٦)، فاقصدوا بني عامر؛ فإنهم قريبٌ بنواحي السُّلَّان. فخرجوا وكَتموا أمرهم، وقالوا: خرجنا لئلا يعرض أحدٌ للطيمة الملك. فلما فرغ الناس من عُكاظ علمت قريش بحالهم، فأرسل عبد إلله بن جدعان (٧) رجلًا إلى بني عامر يُعلمهم الخبر، فسار إليهم وأخبرهم خبرهم، فحذروا وتهيئوا للحرب، وتحرَّزُوا ووضعوا العُيون، وجاءوا وعليهم عامر بن مالك ملاعب الأسنة الكلابي، وأقبل الجيش فالتقوا بالسَّلَّان، واقتتلوا قتالًا شديدًا.

وبينما هم يقتتلون إذ نظر يزيد بن عمرو العامري إلى وبرة الكلبي أخِي النعمان، فأعجبته هيئته، فحمل عليه وأَسره، فلم صار في أيدي بني عامرهم


(*) لبني عامر على النعمان بن المنذر، والسلان في الأصل بطون من الأرض غامضة ذات شجر، ثم سميت بها بعض المواطن.
(١) الحمس: المتشددون في دينهم المتحمسون.
(٢) اللقاح: الذين لا يدينون للملوك.
(٣) اللطيمة: عير تحمل المسك.
(٤) الصنائع: جماعة كانوا ينتخبون كالحرس لا يبرحون باب الملك.
(٥) الوضائع: ألف رجل من الفُرس يستبدلون بمثلهم كل سنة.
(٦) الأشهر الحرم: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب.
(٧) عبد الله بن جدعان القرشي من بني تيِّم، كان من مشاهير الأجواد وهو ابن عم عائشة زوج الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأخباره في الكرم كثيرة، مات في الجاهلية قبل البعثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>