للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينخذلوا - انخذال - الخاضع الذليل. وكتب معهم كتابًا إلى كسرى يخبره فيه بأنه أوفد إليه رهطًا من العرب لهم فضل في أحسابهم وأنسابهم وعقولهم وآدابهم، لِيَسْمَعَ منهم ويُكرمه بإكرامهم وتعجيل سراحهم، وقال له: إنه قد نسبهم في أسفل كتابه إلى عشائرهم، فخرج القوم بعد أن تساهم النعمان بما في خزانته من طرائف حُلَلِ الملوك؛ كسا كلّ رجل منهم حُلَةً وعَمَّمَهُ عمامة. وخَتمه بياقوتة، وأمر لكل واحد منهم بنجيبة.

ودخلوا على كسرى، وأذن لهم بالكلام، فتتابعوا في خُطبهم المرتجلة: أكرم بن صيفي، فحاجب بن زرارة التميمي، فعمرو بن الشريد السُّلَمي، وقال له عمرو بن الشريد: (أيها الملك نعم بالك، ودام في السرور حالك، إن عاقبة الكلام متدبرة، وأشكال الأمور معتبرة، وفي كثير قلة، وفي قليل بُلْغَةٌ، وفي الملوك سَوْرة العز، وهذا منطلق له ما بعده، شَرُف فيه من شَرُفَ، وخمل فيه من خمل، لَمْ نأت لِضَيْمِكَ، ولم نَفِدْ لسخطك، ولم نتعرض لِرفْدك، إنَّ في أموالنا مُنْتَقَدًا، وعلى عزنا معتمدًا، إن أوْرَيْنَا نارًا أَثْقَبْنَا، وإن أرود - رَفَقَ - دهر بنا اعتدلنا، إلَّا أنَّا مع هذا لجوارك حافظون، ولمن رامك كافحون حتى يُحمد الصَّدَرُ، ويُستطاب الخبر".

وقد أجابه كِسرى بقوله: "ما يقوم قصد منطقك بإفراطك، ولا مدحك بذمك".

عباس بن رعل السُّلَمي

كان عباس هذا أحد القادة في حرب الفجار التي وقعت بين قريش وأحلافها من الأحابيش، وبين قيس عَيْلان ومنهم بنو سُلَيْم، وكانت الدبرة أول النهار لقيس على قريش وكنانة ومن ضَوَّى إليهم، ثم صارت الدبرة آخر النهار لقريش وكِنانة على قيس، فقتلوهم قتلًا ذريعًا، حتى نادى عُتبة بن ربيعة يومئذ - وإنه لشاب ما كملت له ثلاثون سنة - إلى الصلح، فاصطلحوا على أنَّ عدّوا القتلى، وودت قريش لقيس ما قتلت فضلًا عن قتلاهم، ووضعت الحرب أوزارها. وقد حضر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عمومته هذه الحرب ورمى فيها بأسْهُمٍ، وكان عمره يومئذ عشرين سنة، وكان الفجار بعد الفيل بعشرين سنة، وقالت العرب في الفجار - كدأبها في هذه المواقف - أشعارًا كثيرة (١).


(١) الطبقات الكبرى - لمحمد بن سعد، ص ١٢٧ و ١٢٨، الجزء الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>