الأفراد والجماعات، في قلق دائم، وخوف متزايد. فترتب على ذلك انعدام الأمن، وافتقاد الطمأنينة، وانخفاض مستوى المعيشة، مما جعل السكان في جميع القرى يلجأون إلى بناء قراهم في أعالي الجبال، ويقيمون فيها الحصون الحربية -التي نشاهدها اليوم منتشرة في جميع أنحاء بلاد زهران سراة وتهامة- لحماية أنفسهم من خطر الغارات الفتاكة التي يشنها رجال القبائل الأخرى.
وقد استمرت الحالة كذلك حتى قامت المملكة العربية السعودية، فساد الأمن، وعم الرخاء وقضى على البدع والخرافات الدينية.
[أعمال زهران الحربية في عهد آل سعود الكرام]
تعرضت جزيرة العرب في بداية القرن الثالث عشر الهجري لحملات الأتراك التي قام بها محمد علي باشا والي مصر من قبل الدولة العثمانية، يساعده ولداه طوسون وإبراهيم باشا. وكان الهدف من تلك الحملات هو إظهار مصر بمظهر الحامي لمقدسات المسلمين في مكة والمدينة لتكسب الرأي العام الإسلامي إلى جانبها، بالإضافة إلى رغبة محمد علي باشا في القضاء على الجنود الألبان الذين كانوا عامل شغب في مصر، وفتح أسواق جديدة لمصر في الحجاز.
وقد قاومت الدولة السعودية الأولى تلك الحملات، وكبدت الأتراك خسائر فادحة في الرجال والأموال، إلا أنهم زحفوا إلى مكة واستولوا عليها بعد استيلائهم على جدة والمدينة، ثم واصعلوا زحفهم -أي الأتراك- إلى الطائف وبلاد زهران وغامد وعسير، فكان نصيبهم الفشل الذريع. وكان يقود جيش زهران في تلك الأثناء بخروش بن علاس الزهراني من قرية العدية بقبيلة قريش. وقد أظهر في حروبه ضد الأتراك شجاعة نادرة وإخلاصا صادقًا لآل سعود الكرام، وكان بالتالي حجر عثرة أمام توسع الأتراك في منطقة عسير سراة وتهامة.
وفي سنة ١٢٢٨ هـ اشتبكت قبائل زهران وغامد مع جيوش الأتراك في القنفدة فهزم الأتراك شر هزيمة، ثم تجددت هزائمهم في زهران وغامد، فطلبوا النجدة من محمد علي باشا، فأمدهم بقوات كبيرة يقودها ولده طوسون، ومع ذلك فقد توالت هزائمهم وعادوا يجرون ذيول الخيبة والفشل برا إلى الطائف وبحرا إلى جدة، وغنم رجال زهران ما كان معهم من المؤونة والذخيرة، ومن أهم تلك المعارك الحاسمة المعركة الكبرى التي وقعت في وادي قريش ببلاد زهران،