وكانت الحكومة إذا آنست من نفسها القوة انتقمت منهم على إعانتهم لثائر أو نقصتهم عطاءهم أو منعتهم إياه، فلم يعدموا في ملوك زناتة أو أمراء البيت الحفصي قائدا للثورة، وهكذا استمرت حياة رياح والحفصيين، واختلفت أيامهم سلمًا وحربًا، ولم تزد رياحًا الأيام إلا قوة.
وكانت بطانة الحفصيين يستعملون نفوذهم مع رياح وغيرها في مصالحهم الخاصة وحسب أهوائهم، فربما دعوا القبيلة اليوم إلى طاعة الملك ودعوها غدا إلى حربه، وهذا عبد الرحمن بن خلدون كان مع الحفصيين فدعا رياحًا لطاعتهم ثم فارقهم. فدعاها لأبي حمو الثاني سنة ٧٦٩ هـ، ثم حملها على حربه ومخالفة عدوه عبد العزيز بن أبي الحسن سنة ٧٧٢، ومع هذا التلاعب الذي لم يسلم منه فيلسوفنا نراه يؤنب العرب إن جرؤوا على الدولة وقتئذ.
وكانت بطون رياح تبعًا للذواودة الذين كان منهم مسعود بن سلطان وأخوه عساكر ومحمد بن مسعود، واستمرت الرئاسة في أولاد مسعود ومال عنهم أبناء عساكر للدولة سنة ٦٦٦ هـ فولى المستنصر رئاستهم مهدي بن عساكر ثم ابنه ماضي ثم موسى بن ماضي، وأقطعتهم الدولة نقاوس، وحالفتهم عياض، ولكن غمرهم أولاد مسعود.
وكان محمد بن مسعود مع يحيى بن غانية وتوفي بعد وفاته، فخلفه ابنه موسى وكان عظيم الصيت معتزا على الدولة، ووفد على أبي زكرياء لما نزل بياغاية سنة ٦٤٧ هـ فبايعه، وتوفي أيام المستنصر فخلفه ابنه شبل، واستطال على الدولة، وبايع أبا القاسم بن عبد الرحمن ابن الأمير عبد الواحد سنة ٦٦١ هـ وقد نزل عليه بنقاوس، وخرج إليه المستنصر سنة ٦٦٤ هـ فبلغ المسيلة وأعجزه، فعاد إلى تونس، وأمر عامل بجاية أبا هلال باستئلافه.
وخرج المستنصر سنة ٦٦٦ هـ فعسكر بالحضنة على ثنايا الزاب إزاء جموع رياح، وترددت الرسل بين شبل وأبي هلال، فأقنعه بحسن عاقبة الوفادة على السلطان، فقدم هو وأخوه يحيى وسباع بن يحيى بن دريد بن مسعود وطلحة بن ميمون بن دريد وحداد بن مولاهم بن خنفر بن مسعود، ودريد بن تازير شيخ أولاد نابت من كرفة، فضرب المستنصر أعناق هؤلاء الأمراء وصلب أشلاءهم