للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثهما في هذه المرة مُنصبًّا على موضوع لم يطرقاه من قبل وعلى أمر خطير يتوقف عليه مصير قومهما ومستقبل أسرتهما، وقال بكر بصوت عميق متهدج:

إنني أوجس خيفة يا سكينة من عواقب هذه المغامرة التي أرى قومنا مسوقين إليها بدافع الأقدار، ومما يدعو للأسف أن الحُكَّام في القاهرة لم يأخذوا بعين الاعتبار مبلغ تأصل التقاليد في نفوس العربان ومقدار تمسكهم بما توارثوه من عادات وشمائل أبا عن جد من قديم الزمان، فأقرته سكينة على رأيه وأضافت قائلة: علينا أن ننبه القوم إلى ما يُدَبَّر لهم وأن نطلُعهم على ما سمعنا ورأينا في القاهرة، وعليهم أن يَعُدُّوا للمفاجآت عُدَّتَها وأن يتخذوا للغد حيطته … وماذا رأيا في القاهرة؟ كان الحُكم قد آل إلى محمد سعيد باشا أصغر أبناء محمد علي باشا منذ عام ١٨٥٤ م، وكان هو سيد البلاد الجديد ولا يتفق مع سلفه وابن أخيه عباس باشا الأول في سياسته، فهو واسع الأفق محب للإصلاح يعطف على العمال والفلاحين، ويرغب رغبة صادقة في إعادة مجد الجيش المصري إلى سالف عهده وتنظيمه على أساس وقواعد تتفق مع مقتضيات العصر، ولا يهمنا في سياق هذه القصة إلا ما تعلق بالجيش دون سواه من الشئون التي عني بها ذلك المصلح الكبير، وكان الجيش المصري قد تطرق إليه الانحلال والضعف في السنوات السابقة لعهد سعيد باشا، فعهد بعد توليته إلى زيادة عدده وأنشا معاهد لتخريج الضباط وشيد الحصون والقلاع، وواصل مد الحملة المصرية في حرب القرم بالجند والمعدات، واشترك بعد توليته الحكم بعدة سنوات في حروب المكسيك بأمريكا،، وكان أحب أوقاته إليه تلك التي كان يقضيها بين ضباطه وجنوده.

وفكر سعيد باشا في استخدام القبائل العربية الضاربة في أقاليم مصر وعلى الحدود أسوة بما قد فعل أبوه محمد علي وأخوه إبراهيم من قبل، وكانت قبيلة الجوازي النازلة في إقليمي المنيا والفيوم أول قبيلة اتجهت إليها أنظاره لتحقيق هذا الغرض، فدار بينه وبين زعيمها عمر المصري أو عمَّار المصري بلهجة أبناء البادية مفاوضات تولاها فريق من ضباط الجيش الشراكسة والأتراك، وتم الاتفاق بين

<<  <  ج: ص:  >  >>