للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغنموا لنَتْدَمنَّ ألَّا نكونَ معهم، ولئن ظُفر بهم لتقُولنَّ العرب: خَذلتم جيرانكم! فأَجْمعوا على أن يُقاتلوا معهم.

والتقى القوم فاقتتلوا قتالًا شديدًا ثلاثة أيام يُغَادُونهم القتال بفَيْف الرِّيح (١)، وشهدت بنو نُمير يومئذ مع عامر، فسمُّوا حرَيجَة (٢) الظَّعان؛ وذلك أن بني عامر جالوا جَولة إلى موضع يقال له العُرْقُوب، فالتفت عامر بن الطفيل فسأل عن بني نُمير، فوجدهم تخلَّفوا في قتال القوم، فرجع عامرٌ يصيح: يا صاحباه! يا نُميرَاه! ولا نُمير لي بعد اليوم، حتى أقْحم فرسه وسط القوم، فطُعن بومئذ بين ثُغْرَةِ نحره إلى سُرَّته عشرين طَعْنَةً.

وكان عامرُ بن الطفيل يتعهد الناسَ فيقول: يا فلان؛ ما رأيتُك فعلت شيئًا! فيقول الرجل الذي قد أبلى: انظر إلى سيفي وما فيه، وإلى رمحي وسناني. فأقبل مُسْهر الحارثي (٣) في تلك الهيئة - لما رأى عامرًا يصنع بقومه الأفاعيل - فقال: يا أبا عليٍّ؛ انظر ما صنعتُ بالقوم، انظر إلى رمحي! حتى إذا أقبل عليه عامرٌ وجَأَه مسهرٌ بالرمح في وجنته، ففلق وجنته، وأصاب عينه، وخلى الرمح فيها، وضرب فرسه، فلحق بقومه.

وفي طعنة عامر يقول مسهر:

وَهَضْتُ بِخُرْص (٤) الرمحِ مُقْلَةَ عامرٍ … فأضْحَى بخيصًا في الفوارس أعورا

وغادر فينا رُمْحَه وسِلاحه … وأدْبَرَ يدعوا في الهَوَالِك جَعْفَرا

ويقول عامر:

لَعَمْري، وما عمري عليَّ بهيْن … لقد شانَ حرَّ الوجه طَعْنَةُ مُسهرِ

فبئس الفتى إن كنت أعور عاقرًا … جَبَانًا وما أغْنِي لدي كل محْضر

وقد علموا أني أكرُّ عليهمُ … عشيَّة فَيْفِ الريح كَرَّ المدوَّر

فلو كان جمعٌ مثلنا لم نبالهم … ولكن أتتنا أسْرةٌ ذات مَفْخر


(١) قال أبو عبيدة: كانت وقعة فيف الريح وقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة.
(٢) أي اجتمعوا بقنيهم فصاروا بمنزلة الحرجة، وهي شجر مجتمع. وسموا ذلك اليوم حريجة الطعان.
(٣) كان مسهر فارسًا شريفًا، وكان قد جنى جناية في قومه، فلحق ببني عامر، فشهد معهم فيف الريح.
(٤) خرص الرمح: سنانه، وبخص عينه: أغارها.

<<  <  ج: ص:  >  >>