للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالوا: إن عمر لقب نصرًا بالمُتَمَنَّى - بضم الميم الأولى وفتح الثانية وفتح النون وتشديدها - وقد أحضره إليه، فما رآه بهره جماله، فقال له: أنت تتمناك الغانيات في خدورهن؟ لا أم لك!! أما والله لأزيلنَّ عنك الجَمالَ، ثم دعا بحجَّام (١)، فحلق جُمته - مجتمع شعر الرأس - ثم تأمله فقال: أنت محلوقًا أحسنُ، فقال نَصْرٌ: وأيّ ذنبٍ لي في ذلك؟ فقال عمر: صدقت! الذنب لي إن تركتك في دار الهجرة. ثم أركبه جملًا وسَيَّرهُ إلى البصرة، وكتَبَ به إلى مُجاشع بن مسعود السُّلَمي (٢) - ابن عمه - بأني "قد سَيَّرْتُ "المُتَمَنَّى" نصر بن الحجَّاج السُّلَمي إلى البصرة"، فأنزله مُجاشع منزله لقربه ولمكانته ومكانة أبيه في المجتمع السُّلَمي والإسلامي، ولابد أنه سمع من قبل ورود خطاب عمر إليه بما حدث جملةً وتفصيلًا، وأخدمه امرأته "شُمَيْلة" وكانت أجمل امرأة بالبصرة، فعلقته وعلقها، حتى انكشف أمرهما لزوجها مُجاشع، فقال لنصر: "يا ابن العم، ما سيرك عمر إلى خير، قم فإن وراءك أوسع لك". فخرج وعدل إلى منزل بعض السُّلَميين، وفي خزانة الأدب" (المسلمين) بالبصرة، ووقع لجنبه وضَنِيَ من حب شُمَيلة، ومن خدش كرامته مرتين: مُرّة على يد الخليفة في المدينة، ومرة على يد ابن عمه ومُنْزِلِه عنده ومُكْرِمَه "مُجاشع" نائب أمير البصرة في البصرة، ودنف من جراء الكبت النفسيِّ والألم النفسيّ معًا، حتى صار رحمة - لحمة - وانتشر خَبَرُه، فضرب نساء البصرة به المثل، فقلن: (أدنف مِنَ المُتَمَنَّى) .. ثم إن مُجاشعًا وقف على خبر علته فدخل عليه عائدًا، فلحقته رقَّة لما رأى من الدنف، فرجع إلى بيته، وقال لشُمَيْلة: (عزمتُ عليك لما أخذتِ خبزًا فَلَبَكْتِهِ بسمن، ثم بادرت به إلى نصر) ففعلت، فعادت إليه صحته وَبَرَأ، كأن لَمْ يكن به قلبة، فلما فارقته عاوده النكس، ولم يزل يتردد في علته حتى مات منها.


(١) يفهم من هذا أن الحجَّامين كانوا يتولون الحلاقة مع مهنة الحجامة في عهد عمر، هذا وحسن وجوه رجال بني سُلَيْم مشهور في التاريخ، وقد وصف النَّبِيّ قدر بن عمار السُّلَمي أو قددًا كما سمته نهاية الأرب بقوله لبني سُلَيْم بعد موته: (أين الرجل الحسن الوجه الطويل اللسان الصادق الإيمان)؟، ووصفت الجهنية زوج هاشم بن حرملة الغَطَفاني له، العباس بن مِرْدَاس بقولها: (ورأيت شابا جميلًا له وفرة حسنة)، فقال هاشم بن حرملة لها: ذاك العباس بن مِرْدَاس السُّلَمي.
(٢) لمجاشع هذا ترجمة في فصل "صحابة من بني سُلَيْم؛ لأنه صحابي، وترجمة في فصل: "أمراء وزعماء وفرسان ومحتسبون وقادة وولاة وموظفون من بني سُلَيْم؛ لأنه كان واليًا على البصرة بالنيابة في خلافة عمر، وربما كانت كتابة عمر بن الخطاب إليه في شأن تغريبه لنصر بن الحجاج إلى البصرة، إبان ولايته لها بالنيابة عن المغيرة بن شعبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>