تلك إحدى روايات قصة نصر بن حجاج السُّلَمي
أما "المدائني" فلم يجعل خاتمة حياته ما ذكر آنفًا، بل قال: وبعد أن أقام نصر حَوْلًا كتب إلى عمر:
لعمري لئن سَيرْتَنِي أو حرمتني … وما نلتُ ذنبا إنَّ ذا لحرام
وما لي ذنب غير ظن ظننتَهُ … وفي بعض تصديق الظنون أثام
أأن غنَّت الحوراء يومًا بمنية … وبعض أمانيَّ النساء غرام
ظننتَّ بيَّ الظنَّ الذي ليس بعده … بقاءٌ ومالي في النديِّ كلام؟
وأصبحتُ منفيا على غير ريبة … وقد كان لي بالمكَّتَيْنِ مقُام
ويمنعني مما يُظنُّ تكرمي … وآباءُ صدق سالفون كرام
ويمنعها مما تمنت صلاحُها … وطولُ قيام ليلها وصيام
فهاتان حالانا فهل أنت راجعي … وقد جُبَّ مني كاهل وسنام؟
قال صاحب الأوائل: (فلما وصلت الأبيات إلى عمر نظر فيها، وكتب إلى أبي موسى الأشعري، وأمره بالوصاة به، إنْ أحبَّ يُقيمُ بالبصرة، وإن أحبَّ الرجوع إلى المدينة فذاك إليه. فاختار نصرٌ المقام بالبصرة، ولم يزل مقيمًا بها إلى أن خرج أبو موسى إلى محاربة أهل الأهواز، فخرج معه نصر بن حجَّاج في الجيش، وحضر معه فتح تستر) (١).
ويفهم من الرواية التي أوردها ابن الحجاج في كتابه (من سُمِّيَ من الشعراء عمرًا) أن نصرًا هذا عاش حتى زمن معاوية بن أبي سفيان، وقد أوردنا نص هذه الرواية في ترجمة عمرو بن أبي سفيان أبي الأعور السُّلَمي في الفصل الذي ذكر فيه فوارس سُلَيْم من هذا الكتاب.
ولنا هنا ملاحظات على هامش رواية المدائني لخاتمة قصة نصر بن الحجاج.
أولًا - إن لَقَبَيَ (المُتمنِّية) و (الْمُتَمَنِّى) اللذين وُسِمَ بهما كلّ من الذلفاء أو
(١) خزانة الأدب - لعبد القادر البغدادي، ص ١٠٨ - ١١١، الجزء الثاني.