للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلها يرددون عليه، فقامروه الرابعة فلم يردوا عليه شيئًا، فذهب إلى زهير، واشتكى إليه، والعرب إذ ذاك يتقون الشعراء اتقاء شديدًا، فقال يهجو بني عليم:

عفا من آل فاطمة الجَواءُ … فيمن فالقوادم فالحساءُ (١)

وهي قصيدة طويلة عدتها ستة وستين بيتًا، يذكر فيها شيم العرب وكرمهم ويطلب من بني عليم المحاكمة إلى عادات القبائل العربية وتقاليدها، ولم يقذع فيها. ثم قال بعد ذلك: ما خرجت من ليلة ظلماء، إلَّا خشيت أن يصيبني الله بعقوبة لهجائي قومًا ظلمتهم.

وقيل: إن زهيرًا كان أحسن أهل الجاهلية شعرًا وأبعدهم من سخف، وأجمعهم لكثير من المعنى في قليل من المنطق، وأشدهم مبالغة في المدح وأكثرهم أمثالًا في شعره (٢).

وقال الأحنف بن قيس لبعض الأمراء: إن زهيرا ألقى عن المادحين فضول الكلام. وقال ابن عباس: قال لي عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنشدني الأشعر شعرائكم قلت: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: زهير، قلت بِمَ كان ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: كان لا يعاظل بين الكلام ولا يتبع حواشيه، ولا يمدح الرجل بما لا يكون في الرجال، قال فأنشدته حتى برق الصبح (٣). وقد كان يقدم زهيرًا على الشعراء وكان من أعجب شعره إليه الذي يقول:

قد جعل المبتغون الخير في … هرم والسائلون إلى أبوابه طرقا

وعن حبيب بن زادان عن أبيه قال: دخلت على عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعنده نفر من أصحاب النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكروا الشعر فقال لهم عمر: مَن كان أشعر العرب فاختلفوا، فبينما هم كذلك، إذ طلع عليهم عبد الله بن عباس فقال عمر: لجلسائه، قد جاءكم ابن بجدتها "أي العالم المتقن الخبير" وأعلم النّاس بأيامها ثم قال عمر من كان أشعر النّاس يابن عباس؟ قال: ذاك زهير بن أبي


(١) انظر لهذا كله شرح شعر زهير لأبي العباس ثعلب في أماكن متفرقة. وهو بتحقيق الدكتور فخر الدين قباوة.
(٢) شرح شعر زهير ص ١٤٤.
(٣) شرح شعر زهير ص ١٤٤ وفيه نظر بل المبالغة ظاهرة عليه لأنَّ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يحيي الليل كله على سماع الشعر فتنبه لذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>