للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك يضعف اندفاعها وتتشعب مياهها وتفقد كل ما فيها عن نشاط ويقابلها رمل الدهناء بكثبانه الجاثمة وكأنه يقول لها هنا فاستقري وفي جانبي إهدئي فتبتلعها أرض البياض وتمتص بقية ما عجزت الضفاف عن امتصاصه عن مياهها.

وأول واد تجوزه من هذه الأودية بعد وادي السليِّل هو وادي حمام، وأول ما تراه عن معالمه ويظهر لك من مقادمه أشجار الطلح الضخمة، تطل عليك بذوائب فروعها الأدثيثة الخضراء، وتبدو لعينك بسيقانها المرتفعة الممشوقة، تحف بها عن حولها أشجار السلم والسمر، يزدحم بها مجرى هذا الوادي، وتتزين بها صفافه، تمتد على امتداده خضرتها، وتزيد عن حسنه وروعة أفيائه بهجتها، قد أقيم عليه جسر عظيم لعبور الطريق، وفيه قرية صغيرة وآبار لقبيلة الرواشد عن الوداعين عن قبيلة الدواسر تخرج عن هذا الوادي الأخضر ذي الأشجار الوارفة الخضراء على نفس الصحراء ذات الظهر الأجرد، أنها صحراء بكل ما في هذا التعبير الجغرافي من معاني بعيدة الأطراف عمياء المسالك، طامسة المعالم، يفري الطريق منها بخط مستقيم مسفلت، لا تصده مرتفعات ولا تعترضه رمال، جيد البناء محكم التصميم، سهل العبور لا تنشعب منه طرق فرعية ولا يمر بقرى حتى يصل إلى بلاد الأفلاج.

بعد أن تجوز وادى حمام، وبعد أن يتقدم بك الطريق يأخذ وجه الصحراء في التغير فيظهر بصفات جغرافية جديدة، فتبدو فيه الحزوم السود والتلال - سنفان سود - تمتد من الغرب إلى الشرق، فتجوز هذه الحزوم السود والتلال في مسافة غير طويلة، فتعود الصحراء إلى شكلها المتقدم، ويستقيم الطريق في صحراء بيضاء سهلة، وترى فيها تلالا متطامنة جرداء عارية من الأشجار، مجدبة من النبات، خالية من السكان، تمثل الصحراء بمفهومها الجغرافي.

وبعد أن تسير مسافه طويلة، ويتقدم بك الطريق في شقة نائبه تبدو أمامك مرتفعات مستوية الظهور، واطئة المتون بنية اللون، جبلية التكوين، تراها يمينا وشمالا ثم تجوزها بعد قليل، ثم تظهر على يسارك سلسلة تراها من بعد، ارتفاعها قليل، وانحدارها متدرج، وبعد أن تنكبها تمتد الصحراء أمامك على

<<  <  ج: ص:  >  >>