وقد استبد بالدولة سنة (١٠٢٣ م - ٤١٤ هـ) بعد وفاة ست الملك انتهضته إلى أن توفي سنة (١٠٤٤ م - ٤٣٦ هـ) فولي الوزارة بعده الحسن بن علي اليازوري فخاطبه الولاة من كلّ الآفاق ولم يولوه، فأنف من ذلك وعظم عليه، وساءت العلائق بينه وبين ثمال بن صالح الكلابي صاحب حلب والمعز بن باديس صاحب إفريقيا اللذين كانا يحقدان عليه أشد الحقد، وأدى الأمر إلى أن حلف المعز بن باديس ليخلعن طاعة الفاطميين ويحولن الدعوة إلى بني العباس، فأرسل بيعته إلى أبي جعفر عبد الله القائم بأمر الله العباسي ببغداد سنة (١٠٤٨ م - ٤٤٠ هـ)(١) وأمر بالدعاء له والرضا عن الخلفاء الأربعة والعباس وبقية العشرة ولعن بني عبيد فوق المنابر، فابتهج النّاس أيما ابتهاج بهذا التحول، وعادوا إلى أداة صلاة الجمعة بعد ما قطعوها دهرا فرارا من دعوة العبيديين حتى كان الرجل إذا بلغ إلى المسجد قال سرا: اللهم اشهد ثم ينصرف فيصلي الجمعة ظهرًا، ثم بدل السكة سنة (١٠٤٩ م - شعبان ٤٤١ هـ) وسبك ما كان في بيت المال من الدنانير والدراهم التي عليها أسماء بني عبيد ومنع رواجها وقطع أسماءهم من الرايات والبنود ونشر الرايات السود وهدم دار الإسماعيلية، وفي سنة (١٠٥١ م - جمادي الثانية ٤٤٣ هـ) جمع الخياطين وأخرج لهم شق الكتان من فندقه وأمرهم أن يصبغوها بالسواد ثم فصلوها ثيابا وكسا الفقهاء والقضاة والمؤذنين بها وخرج بهم في موكب حافل إلى الجامع الكبير بالقيروان فأدوا فيه صلاة الجمعة وقد لبسوا شعار بني العباس.
ولم تكن تصرفات المعز بن باديس لتخفى على الفاطميين خطورتها خصوصًا بعد أن انضم الأمير جبارة بن مختار سنة (١٠٦١ م - ٤٤٣ هـ) إليه وكتب إليه بالسمع والطاعة وأخبره أنه وأهل برقة أزالوا المنابر التي كان يُدعى عليها للعبيديين وأحرقوا راياتهم وتبرأوا منهم ولعنوهم في مساجدهم ودعوا للقائم بأمر الله العباسي، ولكنهم لَمْ يكونوا يقدرون على توجيه جيش إلى إفريقيا لخضد شوكته
(١) ذكر ابن خلدون في التاريخ أن قطع المعز لدعوة بني عبيد وبيعته للعباسيين كان سنة ٤٣٧ هـ.