وإعادته إلى طاعتهم أو تنحيته، وبقي صنائع الدولة وأولياء الدعوة من كتامة واجمين مرتبكين حتى خطرت للوزير اليازوري فكرة اعتقد أنه يستطيع بتنفيذها من المعز دون أن يجيش له جيشا أو يتحمل فيه نصبا، وهي فكرة خطرت لسلفه الجرجرائي من قبل وعاجله الموت قبل إخراجها إلى حيز العمل، فقد كانت بطون من قبيلة بني هلال العربية من أثبج وجشم ورياح ورغبة وعدي تقيم بصعيد مصر قد عم الدولة ضررهم، وأحرق البلاد شررهم، فرأى اليازوري أن يغريهم ببني باديس الصنهاجيين ويدفعهم لمحاربتهم نصرة للمذهب الشيعي ودفاعا عن الدولة، فإن ظفروا بالمعز وصنهاجة كانوا أولياءها وعمالها بإفريقيا وسائر المغرب، وإن كانت الدبرة عليهم قوَّم اعوجاج صنهاجة بوسيلة أخرى.
والواقع أن اليازوري كان يستهدف من وراء توجيه العرب إلى المغرب هدفين اثنين: أحدهما ظاهر هو الانتقام من صنهاجة، والثاني خفي هو التخلص من هؤلاء الأعراب الذين كانت إقامتهم بصعيد مصر تسبب للدولة الفاطمية كثيرًا من المتاعب، وتجعل السكان معرضين لعدوانهم باستمرار.
ولم يضع اليازوري وقته متدبرا ولا مترددا لعلمه أن الدولة ستفوز بإحدى الحسنيين إن لَمْ تفز بهما معا، فإما أن ينتصر الأعراب على صنهاجة ويعودوا إلى مصر منتصرين فيكونون قد انتقموا للدولة من خصومها، وإما أن تهزمهم صنهاجة فيهيم من نجا منهم من القتل على وجهه بصحاري المغرب وبرقة فتلين قناتهم ويزول عن الدولة خطرهم، وإما أن ينتصروا ويطيب لهم المقام بالمغرب وحينئذ تكون الدولة قد ظفرت بالأعداء البعيدين وتخلصت من عناصر الفتنة القريبين. ففي سنة (١٠٤٩ م - ٤٤١ هـ) استقدم اليازوري مشايخ العرب وأمراءهم وألان لهم القول وأجزل العطاء وأعرب لهم عن رغبته في توليتهم أعمال إفريقيا، ثم استنفر القبائل العربية لعبور النيل وكانوا ممنوعين منه وأعطى لكل واحد منهم بعيرًا ودينارا وقال لهم: قد أعطيتكم المغرب وملك المعز بن باديس فلا تفتقرون، ولم يرسم لهم خطة للعمل لعلمه أنهم لا يحتاجون إلى وصية، وكتب إلى أهل إفريقيا يقول: أما بعد فقد أنفذنا إليكم خيولًا فحولا، وأرسلنا عليها رجالًا كهـھولا، ليقضي الله أمرا كان مفعولًا" فجاز العرب النيل أفواجا وساروا إلى برقة فنزلوا بها