للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفتحوا واستباحوها وكتبوا لمن بقي من إخوانهم بشرني النيل يرغبونهم في عبوره واللحاق بهم، فأجازوا بعدما أعطوا دينارين لكل رأس وأخذ منهم أضعاف ما أخذوه، ولما لحقوا بإخوانهم تقارعوا على البلاد، فكان شرقها من حظ سُلَيْم، وغربها من حظ بني هلال، فأقامت قبيلة هيب من سُلَيْم وأحلافها من رواحة وناصرة وعمرة بأرض برقة، وسارت قبائل بني هلال من رياح، والأثبج، ورغبة بعد ذلك إلى إفريقيا والمغرب.

ولا يُعرف بالتدقيق عدد الأعراب الذين عبروا النيل بقصد الدخول إلى المغرب وتنفيذ السياسة الفاطمية فيه، ويظهر أنهم لَمْ يعبروه جميعًا وأن عشائر كثيرة منهم قررت البقاء بأرض مصر واستمرت مقيمة بها بعد ذلك بقرون، ولكن الذين ساروا إلى المغرب منهم كانوا من قوة الأبدان والتمرس بالضراب والطعان والاستهانة بالموت والشره إلى النهب والسلب بحيث كان وقوف أهل برقة في وجههم أمرا مستحيلا، فلذلك استسلموا له بعد ما رأوهم ينسفون عمرانهم ويخربون مدنهم كأجدابيا وسرت وأسمرا والمدينة الحمراء، ويوسعون لهم في الأرض التي تسعهم جميعًا صابرين على ما يتعرضون له يوميا من ظلم وعسف وإرهاق.

ولقد كان من الممكن أن يقف الأمر عند هذا الحد، ويكتفي الأعراب بالمقام في برقة ويقنع الفاطميون منهم بذلك، تخلصا من الأضرار التي كانوا يلحقونها بفلاحي مصر وإمعانا لامتداد التمرد إلى شرق حدود برقة لولا أن خطر للمعز بن باديس أن يستخدمهم جنودا ويستبدلهم بأبناء عمه الصنهاجيين، فقد ساءت ظنونه في ذلك الوقت بصنهاجة وكرههم وحقد عليهم من غير أن يظهر لهم شيئًا من ذلك، وحدث أن قدم عليه بعد مرور مدة على استقرار العرب بيرقة مؤنس بن يحيى الصنبري أمير رياح من بني هلال وكان سيدا في قومه، شجاعا عاقلًا، فلطف محله عند المعز وحلا في عينيه واستخلصه لنفسه وأصهر إليه، وشاوره يومًا من الأيام في استقدام قبيلة رياح لاتخاذهم جندا فقبح له ذلك وحذره سوء عاقبته، وعرفه بتفرق القوم واعتيادهم الفتن والفوضى وعدم انقيادهم إلى الطاعة، ولكن المعز لَمْ يسمع له كلامًا وبقي يلح عليه في استقدامهم حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>