للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال له ذات يوم: إنما تريد انفرادك، حسدا منك لقومك؛ فعزم مؤنس على الخروج الاستنفار قومه بعد ما قدم للمعز العذر واشهد بعض رجال دولته، ثم سار متوجها إليهم ووعدهم وغبطهم ووصف لهم كرامة السلطان والإحسان إليهم، وما زال يرغبهم في المسير إليه حتى قبلوا فتقدم هو في ركب منهم لَمْ يعهدوا نعمة ولا تمرسوا بحضارة، فما كادوا يشاهدون أول قرية حتى استفزهم الطمع وتنادوا: هذه القيروان! ونهبوها من حينها، ولما بلغ الخبر إلى المعز عظم ذلك عليه، ولكنه ظل مع ذلك يشك في حدق مؤنس وحسن نصيحته، وقال: إنما فعل هذا ليصحح قوله ويظهر نصحه، وأمر بالختم على داره وتثقيف أولاده وعياله حتى يعلم ما يكون من أمره، فلما بلغ مؤنسا ما فعل بأهله اشتد غضبه وعظم حنقه، وقال: قدمت النصيحة فحاق الأمر بي، ونسبت الخطيئة إلي، فكان أشد القوم ضررا وأعظمهم نكاية فيما بعد.

وحاول المعز أن يتدارك الأمر بالسياسة ولكن بعد فوات الأوان، فأخرج الفقهاء إلى الأعراب يوصون ويعظون، ويعرضون العهود والشروط، ويعلمونهم أن السلطان سرح عيالاتهم ورفع الثقاف عن أموالهم وأمتعتهم، فأظهروا الاستجابة واستشعروا الطاعة، وأخذ الفقهاء عليهم عهودا ومواثيق فأرسلوا شيوخا منهم إلى المعز تأكيدا لما اتفقوا عليه مع الفقهاء، ولكنهم ما لبثوا أن نكثوا العهود وأمعنوا في الأرض عبثا وفسادا.

وظهر للمعز أن يختبر قوة العرب، فسرح إليهم نخبة من جيش النظامي هزموها شر هزيمة، فاستشاط غضبا وتقبض على أخ لمؤنس الرياحي كان لا يزال مقيما بالقيروان، ولكنه أدرك أن الأمر جد، وشعر بإمارته يحدق بها خطر لا يتقي منه بالانتقام العائلي، فقرر الاستنجاد بحلفائه والأمراء من قرابته، فبعث بالصريخ إلى ابن عمه القائد ابن حماد أمير القلعة فأمده بكتيبة من ألف فارس، وكتب إلى المستنصر بن خزرون أمير مغراوة الذي كان منتجعا في البادية فوصل إليه في ألف فارس واستنفر جميع قبائل صنهاجة وزناته، وفي يوم الإثنين ١٣ أبريل سنة (١٠٥٢ م - ١٠ ذي الحجة ٤٤٣ هـ) عيَّد المعز عيد الأضحى ثم مشى في اليوم التالي إلى ناحية قرية تعرف ببني هلال ومعه جيشه النظامي وحلفاؤه ومن لف

<<  <  ج: ص:  >  >>