لفهم من الحشم والأتباع والأولياء وبقايا عرب الفتح، فلما انتصف النهار جاءته الأخبار بقرب وصول العرب إليه فأمر جيشه الذي كان يبلغ عدده ثلاثين ألفًا بالنزول في أوعار وأودية قرب جبل حيدران، لكن فرسان العرب الذين كانوا يبلغون ثلاثة آلاف فقط عاجلوهم قبل أن يتم النزول، وما كاد القتال ينشب حتى تحيز عرب الفتح إلى جهة الهلاليين للعصبية القديمة، وخذلت صنهاجة وزناته، ووصلت رماح العرب إلى المعز ولم ينجه من الموت إلَّا عبيده الذين استماتوا في الدفاع عنه حتى قُتِل منهم خلق كثير فداء له، وأخيرا فرَّ إلى القيروان بعد ما هلك من رجاله ثلاثة آلاف ودخل المنهزمون أيضًا في حالة يُرثى لها وفقد من العسكر عدد كبير لَمْ يعرف ما آل إليه أمرهم، واستولى العرب على معسكر السلطان وحازوا ما فيه من المال والمتاع والكراع، وفي هذه المعركة نظم الشاعر الرياحي علي بن رزق قصيدته التي مطلعها:
لقد زار وهنا من أميم خيال … وأيدي المطايا بالذميل مجال
والتي يقول فيها:
وإن ابن باديس لأكبر مالك … لعمري ولكن ما لديه رجال
ثلاثون ألفًا منهم هزمتهم … ثلاثة آلاف، وذلك ضلال
ثم سار العرب بعد ذلك لحصار القيروان، وجعل كلّ من سبق من شيوخهم إلى قرية يُسمي نفسه لأهلها ويؤمنهم ويعطيهم قلنسوته أو رقعة مكتوبة علامة يعرف بها غيره من الشيوخ أنه سبقه، ثم نكثوا عهودهم بعد ذلك فخربوا القرى وسلبوا أهلها جميع ما يملكون وتركوهم حفاة عراة يبكون جوعا وبردا، فضاقت الأرض بالقيروان على أهلها وانفض من حول المعز قرابته وأولياؤه، فاضطر بعد سنين من الحصار إلى مفاوضة شيوخ العرب وصاهر ثلاثة من أمرائهم ببناته.
وأثناء الحصار كان العرب يوسعون رقعة نفوذهم ومناطق سلطانهم، فملكوا جميع الساحل وبلاد قسطيلية وتغلب عائد بن أبي الغيث المرداسي أحد أصهار المعز الثلاثة على مدينة تونس وسباها سنة ١٠٥٤ م، وملك أبو مسعود من شيوخهم مدينة عنابة صلحًا، وفي سنة ١٠٥٥ م اقتسموا المغرب الأدنى الاقتسام