للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الشاعرة العامرية ما إن سمعت رجلًا يؤذي قومها (بني عامر) ببيت واحد من الشِّعر وهو نازل بوسط مضارب الحي، فأسرعت إليه وسألته من أي القبائل فلما أجابها هجته في قبيلته التي ذكر، فصار ينكر نفسه لها ويدَّعي نفسه في أخرى، وكلما ذكر قبيلة، هجتها وطعنتها، وظلت تُكيِّل له الأذى والطعن بشعر منظوم حتى ضجَّ منها وضجر ونسب نفسه للشيطان الرجيم، فلعنتهُ في النهاية ولقنته درسًا قاسيًا ومريرًا أن لا يطعن أي قبيلة من العرب مدى حياته.

وهنا بعد أن نطالع هذه الشِّعر المحبوك من هذه المرأة العامرية الفصيحة، فقد يُخيَّل لنا أن ما تدَّعيه بوصم القبائل صدق وحق وهو في الواقع ضلال وتهويل ومحض افتراء.

فتدبَّر أيها القارئ العزيز، وقل لي بالله عليك، لو صدَّقنا ما ورد في أشعار المرأة المذكورة، واتخذنا قولها نصًّا وأساسًا في الطعن والسخرية من بعضنا البعض، وما دامت مُسجَّلة بالتواريخ القديمة وقد نشرَتْها كتب حديثة مشهورة (١)، فهل نكون على صواب أم مخطئين؟ والإجابة نكون بالطبع على خطأ لو صدَّقنا ذلك، أولًا لأن ذلك الشِّعر الوارد في هذه القصة ما هو إلا من الطرائف والنوادر العربية في صدر الإسلام والتي انتشرت في عهد العباسيين.

ثانيًا لأنه إذا أُخذ ذلك مأخذ الجد فهو مُحرَّم شرعًا، حتى لو فرضنا أن بعضه صحيحًا، فواجبنا نحن العرب أن نستر على بعضنا البعض حتى يسترنا مولانا عز وجل، وكما قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: "من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة" - وهنا قول النبي مُعمَّم على كل مسلم - إذن فالعربي أولى من باقي المسلمين في الحرص على أن نصون كرامته ونستر عليه، فنحن العرب قدوة للمسلمين فإذا ضعُف العرب ضعف الإسلام. ثالثًا لو تلقفنا مثل هذه الأمور وطعنَّا بها بعضنا البعض في أفعالنا وأنسابنا، فلا خير فينا أبدًا، وإنْ شاء الله فينا الخير كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عنَّا: "الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة"، كيف لا؛ وربُّ العزة جل جلاله قد قالها في كتابه الكريم عن أمتنا نحن العرب من بين سائر الأمم والشعوب لإعلاء كلمة التوحيد في كوكب الأرض. فهل


(١) مثل كتاب كنز الأنساب للشيخ حمد الحقيل الوائلي - انظر ص ٣٦٣ طبعة رقم ١١ سنة ١٤٠٨ هـ الرياض.

<<  <  ج: ص:  >  >>