بعد هذا التكريم الإلهي من الخالق لنا نحن العرب نفعل الكبائر ولا نترفَّع عنها أو نجتنبها، ونُحقِّر بعضنا البعض ونطعن بعضنا بالباطل؟
كلا والله، فبئس ما تُسوِّل به أنفسنا أن نفعله، وإن أي قبيلة أو عشيرة عدنانية كانت أو قحطانية تُؤذَى أو تُطعَن أو تُنبذ من أمتنا لهي من أعظم الكبائر عند الله، ولو أصررنا على ذلك لا قدَّر الله، فلا نكون قُساة القلوب فحسب ولكن ناقصي الإيمان والعياذ بالله، وقال نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم - يحث المؤمنين على التواد والتراحم لأنهم جزء لا يتجزأ من بعضهم البعض، قال:"المؤمنون إخوة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحُمى". نعم أيها الغافلون عن كلام الله وكلام نبيكم الكريم، فالقبائل العربية في مجموعها كبيرها وصغيرها، قويِّها وضعيفها، غنيِّها وفقيرها تُشكِّل جسدًا واحدًا للأمة العربية المجيدة.
ولكن يا للحسرة والندامة، فكم من قبيلة عربية تألمت وطُعنت وحوصرت ونُبذت ظلمًا وعدوانًا بكل قسوة وكان قلوبنا كالحجارة - وإن من الحجارة لما يشقق فيخرج منه الماء - فلم نحرك ساكنًا والحال هو الحال، رغم تقدم العلوم والنهضة في هذه العصر، وقد سرنا نحن العرب مسار أهل الجاهلية الأولى، وضاع الحق بيننا، وكأن تعاليم الخالق الصارمة لا تعنينا في قرآنه {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}[الحشر: ٢١] وكان أقوال نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - لا تهمُّنا؟!
فيا أيها المتعصبون للباطل، إن علينا لهذه القبائل المطعونة المنبوذة ظُلمًا حقوقًا عديدة غير أخوة الإسلام، هيَّ حق الجيرة والموطن الواحد والأصل الواحد في العروبة، وأتساءل لهؤلاء المتعصبين المتعجرفين الطغاة المتعالين على عباد الله، من ذوي القلوب المريضة البعيدة عن الله، عن هذه العناصر أو تلك القبائل التي تتعالون عليها من أين جاءت؟ وهل سقطت من السماء أم نبعت من باطن الأرض؟
كلا فلم تسقط من السماء ولم تخرج من الأرض، وإنما وُلدت وتناسلت من صُلب عدنان أو قحطان أجداد العرب كلهم، هذا والله ما يؤكده العلماء والنسابون والمؤرخون. ألا نعتبر؟ ألا نستحي من الله؟ الذي خلقنا من نفس واحدة، ومن ماء مهين، وأخبرنا في كتابه العزيز أن الجميع من آدم وآدم من تراب، حقا فمصير كل نفسٍ بشرية إلى التراب، بعد أن تكون طعامًا للسوس والديدان.