يزيد عمرها على ألف عام. وقال علي نصوح طاهر الذي زار عين الحصب عام ١٩٤٦ م: وكان فيها شجرة ضخمة يبلغ قطر امتداد فروعها ما لا يقل عن عشرين مترًا!، وكانت هذه الشجرة. الوافرة بظلالها وقربها من الماء مقر لقاء أمير المساعيد وشيخ بني عُقبة، وكانوا يلتقون لتبادل الآراء والتشاور بشأن ارتحالهم إلى الديار الغزيَّة بانتظار عودة عيونهم والذين أُرسلوا للتجسس، وكانوا أثناء لقاءاتهم تحت ظلال شجرة الحصب يلعبون لعبة المنقلة التي يعرفها بدو اليوم باسم السيجة، وهي من الألعاب التي تعتمد على الذكاء والخبرة، ولم يمض وقت طويل حتى عاد الرسل وأخبروا المساعيد وبني عُقبة بوفرة خيرات غزة وبخصب مراعيها وضعف عربانها، وقد عاد المُطَيْري إلى قومه ليُنفِّذ اتفاقه مع حاكم غزة المملوكي ثم إنه أعطى ابنته اللباس والزينة والحلي التي جلبها من الحاكم، وقد زعم أنه اشتراها فتزينت الفتاة وتميزت عن غيرها بذلك فعُرفت بأنها المُطَيْرية في أوساط بني عُقبة، وذات يوم أمرها أبوها أن تسير إلى عين الحصب ساعة التقاء أميري المساعيد وبني عُقبة تحت شجرة الحصب فتَرِد الماء لتشرب وتكشف عن وجهها وجمالها للأمير المسعودي المغرم بالنساء عله يطلب يدها ويتزوجها، وهكذا نُفَّذت الخطة الجهنَّمية المرسومة بين المُطَيْري وحاكم غزة، فلما التقى الأميران أمير المساعيد سعود بن مسعود وأمير بني عُقبة داود العُقبي تحت الشجرة تجالسا وتحدثا ثم لعبا لعبة المنقلة (السيجة) كعادتهما، حينئذ مرت ابنة شيخ مُطيْر بهودج على جمل وقد تزينت بألبستها وحليها فوردت الماء وأخذت تشرب الماء وهي سافرة الوجه أي غير مُلثَّمة كغيرها من فتيات البدو، فبدت فاتنة جميلة ولا أحد يعلم أنها حيَّة رقطاء تريد دس السم الزعاف وتفتن القبائل لتقع الحرب وتسيل الدماء الغزيرة وتُرمَّل النساء وتُيتَّم الأطفال!.
ولما كانت تلك الفتاة بديعة الجمال رشيقة القد تنثني كالخيرزان، فما إن رآها الأمير المسعودي أُعجب بها وفُتن بجمالها ودلالها فصار ينظر إليها وتنظر إليه، فأخذ الأمير المسعودي يضع حجارة "حصى" السيجة فوق بعضها البعض دون وعي منه لما يفعل لانشغاله بالنظر إليها، فلما شربت الفتاة أخذت بالانصراف فتابعها ببصره وقد وقع في هواها ولم يدر من هي فأنشد يقول:
ما قال ابن مسعود شاف نظره … غزال بين الحنايا شقى بها