أطنبوا عليهم. وقيل أن المساعيد حين قدموا من شرق نجد كانوا يتألفون من أربعة عشر فخذًا ولكل فخذ رئيس أو شيخ وكذلك له بيرق، أي راية، وكان ارتحالهم ومسيرهم يتم بقرع الطبول لإعلام كافة المساعيد، وذهب علي نصوح الطاهر إلى أنه كان مع الأمير المسعودي سبع عشائر، قلت: بل كانوا سبعة بطون تفرع منها أربعة عشر فخذا ولهم سبعة رؤساء يديرون شئونهم، ويبدو أن منطقة شمال غرب الحجاز في العقبة ونواحيها قد ضاقت بالمساعيد وبني عُقبة بعد حين من الدهر وقد كثرت مواشيهم دهابلهم وأنعامهم، وأجدبت البلاد في شمالي الحجاز كعادتها فقرروا الارتحال إلى بلاد غزة (١) بفلسطين بعد أن استهوتهم كثرة خيراتها ومراعيها، وكانت الديار الغزيّة وقتئذ مكانا طيبًا لهجرة وامتداد القبائل العربية من شمال الحجاز أو الاتجاه منها نحو الديار المصرية، فانطلق المساعيد وبنو عُقبة من العقبة إلى ديار غزة التي قيل أنها في هذه الفترة بالذات قد أخصبت خصبًا لا مثيل له من قبل، فطار صيت مراعيها وارتادها الرواد من كل جانب، وهناك قول أنهم ساروا لشراء القمح من غزة، والصحيح أنهم ارتحلوا رحيلًا كاملًا بقصد الاستيطان هناك فارتحلوا عبر وادي عربة قاصدين بلاد غزة بفلسطين.
وقيل أنه أثناء ارتحال المساعيد من شمالي الحجاز تخلَّف منهم فريق يسمى الضمادية فظلُّوا في وادي عربة وقيل في نواحي العقبة، ثم إن باقي المساعيد واصلوا مسيرهم ليحطُّوا الرحال عند عين الحصب ووادي قصيب والمدرة ونواحيها في شمالي غرب وادي عربة طلبًا للماء والكلا وطلبًا للراحة عند ورودهم لماء الحصب، ولكي يرسلوا عيونًا منهم تجس بلاد غزة فأقاموا في تلك النواحي لبعض الوقت، ثم اتفق زعماء المساعيد وبني عُقبة على إرسال عيون على هيئة رعاة إلى غزة وأنحائها ليعسُّوا البلاد والناس، فأرسل المساعيد عدة رجال وكذلك فعل بني عُقبة، وكان من عيون بني عُقبة رجل من مُطير الذين أطنبوا عليهم فساروا وتفرقوا لمعرفة أحوال البلاد والناس، وكانت الدولة في غزة من المماليك الأتراك الجنس الذين قدموا في عهد الدولة الأيوبية، وقد علم حاكم غزة بارتحال هذه القبائل من
(١) غزة سميت أيام الجاهلية باسم غزة هاشم (جد النبي - صلى الله عليه وسلم -) لما أنه كان مع قومه من قريش في رحلة الصيف للشام ومرض فاستند على عصاه في كثيب من الرمال أو غز عصا. وفاضت روحه، فسماها العرب غزة هاشم نسبة إليه.