الأيسر وفي صدر الهويتة مع امتداد مساكنهم إلى ساحل البحر، ومن الآثار التي تعود إلى ذلك العهد دِمْس العُقبية وهي صخرة ضخمة كانت تقبع في بطن وادي اليتم، ولم يبق منها في يومنا هذا إلا جزء يسير بعد تحطيمها عند إنشاء طريق العقبة عبر اليتم، وقد نسبت هذه الصخرة لفتاة من بني عُقبة وفي رواية أقوى أنها ابنة شيخ بني عُقبة، قالوا: وكانت الفتاة العُقبية بكرًا لم تتزوج وكانت تصعد هذه الصخرة فنُسبت إليها، فلما تزوجت وحملت ثم ولدت ثم إنها عادت بعد ذلك لتصعد صخرتها - على سابق عهدها كما كانت تفعل قبل ذلك كعادتها - فلم تستطع الصعود، فعادت وسارت نحو مقعد الرجال في بيت أبيها وخاطبت قومها بهذه النصيحة قائلة:
يا بني عُقبة حيلوا الخيل … اثرى الطنى يهد الحيل
أي يا بني عُقبة امنعوا خيلكم من الحمل بمنعها من التلاقح، وقد نصحت العُقبية قومها بذلك، لأن الطنى أي الضنى وهو لغة عند بعض القبائل العرب حتى يومنا هذا، يذهب بالحيل أي القوة، فهي تريد من قومها منع خيولهم من الحمل بعدم تلاقحها لتظل بكامل قواها؛ لأن الحمل والولادة يذهبان بالقوة والجهد والحيل وقد جربت ذلك بنفسها.
وكان المساعيد حين قدموا من شرقي نجد بلاد بني بكر بن وائل وقد انفصموا عن قومهم بنو شيبان من بكر، وسكنوا بلاد مُطَيْر حقبة من الزمن، رافقهم فوقة من مُطير أثناء مسيرهم نحو شمال غرب الحجاز (لبلاد مدين القديمة) والتي تسكنها عُقبة من جُذام وقتئذ بعد أن رحل معظم جُذام إلى الديار الشامية والمصرية وغيرها، وقد عاشت هذه الفرقة من مُطير في حمى المساعيد وقد فُوض عليهم ضريبة يؤدونها لأمير المساعيد وتُعرف عند العرب بالخاوة، فلما استقروا بشمال الحجاز وخالف المساعيد بني عُقبة وساكنوهم رأى عرب مُطير أن يطنبوا على بني عُقبة حلفاء المساعيد، لأنهم رأوا في هذا ظلمًا واستبدادًا بهم وهم قوم أحرار في بلادهم الأصلية، مما دفعهم إلى الالتجاء لبني عُقبة مستغيثين بهم ليتخلصوا من خاوة المساعيد كلها أو بعضها تحت حماية بني عُقبة، فلم يجد هؤلاء بُدًّا على حسب عادات وأعراف العرب وتقاليدهم ونخوتهم إلا أن يُرحِّبوا بمُطير الذين