أن ملك صقلية نَقَضَ العهد الذي بينه وبين زيادة الله، وقد كان ملك صقلية في هدنة مع زيادة الله، وكان في شرط الهدنة أنَّ من دخل إليهم من المسلمين وأرادوا أن يَرُدوهُ فعليهم رَدُّهُ، فوصل إلى زيادة الله أن عندهم أسرى من المسلمين، وأحَسَّ ملك صقلية بالخطر، فأرسل رُسُلًا من عنده إليه، فجمع زيادة الله، العلماءَ وسألهم عن الأمر، فقال أبو محرز: كيف يُقْبَلُ قولهم عليهم؟ فقال أسد: بالرسل هادنَّاهم، وبهم نجعلهم ناقضين، قال الله تعالى:{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}[محمد: ٣٥] نحن الأعلون، فسأل زيادة الله، الرُّسلَ - ومعنى هذا أنه أخذ برأي أسد لا برأي أبي محرز - فاعترفوا (كما قَدَّر أسد) بأنهم في دينهم لا يحل لهم ردهم، فأمر زيادة الله بالغزو إلى صقلية، وولي أسد بن الفرات إمارة الجيش الغازي لصقلية في سبيل الله، فقال له أسد: من بَعْدِ القضاء والنظر في الحلال والحرام تعزلني وتوليني الإمارة؟ فقال له زيادة الله: لا، ولكني وليتُك الإمْرَة وهي أشرف، وأبقيتُ لك اسم القضاء، فأنت أمير وقاضٍ. فخرج أسد إلى صقلية وشيعه كلّ أهل البلاد، تنفيذًا لأمر الأمير زيادة الله، فلما نظر أسدٌ النّاس حوله من كلّ جهة، وقد صهلت الخيل وضُرِبَت الطبول وخفقت البنود، قال: لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، والله يا معشر المسلمين ما وِلِيَ لي أبٌ ولا جَدٌّ، ولا رأي أحدُ النّاس من سلفي مثل هذا، ولا بَلَغْتُ ما ترون إلَّا بالأقلام - فاجتهدوا - فأجهدوا أنفسكم فيها، وثابروا على تدوين العلم تنالوا به الدنيا والآخرة، ثم ذهب أسد بن الفرات الأمير القاضي إلى صقلية على رأس الجيش الإسلامي الغازي البالغ عشرة آلاف رجل، منهم ٩٠٠ فارس، وتصادم الجيش المسلم مع جيش صقلية فهزمه الله، وسالت الدماء على قناة لواء أسد حتى صار الدم تحت إبطه، ورد يده في بعض تلك الأيام، فلم يستطع مما اجتمع من الدم تحت إبطه (١)، وتوفي أسد وهو مُحاصِرٌ لسرقوسة أميرًا قائدًا وقاضيًا، وكان ذلك سنة ثلاث عشرة ومائتين للهجرة، وقيل: أربع عشرة وقيل ٢١٧ هـ، وقبره ومسجده بصقلية.
كانت ولادة أسد سنة ١٤٥ هـ بحَرَّانَ، وقيل بسنة ١٤٣ هـ وقيل سنة ١٤٢ هـ، وكان قدومه إلى أفريقية من المشرق سنة ١٨١ هـ، فعلى القولين الأولين كان عمره ثمانيًا وستين سنة قمرية.