العسكرية الفرنسية التي وجهها على تونس الملك القديس لويس التاسع بعد عودته مهزومًا من مصر ومعه شارل صاحب أنجو فذاعت شهرة أبي حفص وعظم قدره، ثم اتخذ لنفسه لقب الخليفة أمير المؤمنين بعد أن حصل عام ٦٥٧ هـ - ١٢٤٩ م على وثيقة من شريف الأشراف بمكة المكرمة تجعله وريثًا للخلفاء العباسيين الذين كان التتار (المغول) قد قضوا على مُلكهم في بغداد، وقد أحاط حكمه ببطانة قوية من الموحدين كانوا دعامة الدولة والجيش كما بقي سك النقود موحدي الشكل والوزن وقتئذ، ولقد حققت إمبراطورية الحفصيين لإفريقيا تقدمًا عظيمًا جعلت من تونس الخضراء مقرًّا للحكم المتين الأركان ومركزًا سياسيًّا وثقافيًّا للقطر بأسره، فكانت هناك دواوين للجيش وبيت المال والقضاء، وشيَّد أبو عبد الله المستنصر بالله القصور والمساجد والزوايا والقناطر المعلقة والمكتبات على غرار أبيه، وكانت ذات طابع أندلسي بهيج، واجتذب إلى بلاطه العلماء والشعراء والإداريين من جميع بقاع العالم الإسلامي ولا سيما من الأندلس، وكانت بساتين قصوره على نمط بهو السباع بقصر الحمراء الشهير بإسبانيا، وإليه يرجع تشييد جنة أبي فهر على بعد كيلو متر واحد من تونس، وكما ينسب لأبي حفص تشييد مسجد باب الدرب بالمناستير وهي بلدة كان بها دير للمسيحيين واشتق اسم البلدة كلها من اسم هذا الدير؛ وفي عهده تألقت الحضارة التونسية وتأنق المعماريون في إقامة المباني، والناس في ملابسهم وأزيائهم، وفي عصر أبو عبد الله الحفصي كما كان في عصر أبيه توطدت العلاقات الودية والصلات التجارية والاقتصادية المنتظمة بين برشلونة ومرسيليا وجنوة وبيزا وكلها مدن في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وكذلك في غيرها من البلدان الأوروبية، وعقدت المعاهدات لتنظيم التجارة والملاحة وأنشئت القنصليات في تونس، وقد راجت التجارة بين شمال إفريقيا وبلدان أوروبا. وقد اجتمع حول أبي عبد الله المستنصر الحفصي عدد من الجنود المرتزقة النصارى وكان ذلك سببًا في تهديد صليبي القديس لويس قرطاجنة تهديًدا خطيرًا عام ٦٦٩ هـ - ١٢٧٠ م.
وفي أواخر أيام حكم أبو عبد الله المستنصر الحفصي تعاقبت الفتن والقلاقل بسبب طمع بعض الأمراء ممن تربطهم بالخليفة قرابة صحيحة أو مزعومة في الاستيلاء على العرش والسيطرة على شئون الدولة، فأضعف اضطراباتها المتواصلة