آمن زهير حقيقة لَمْ يطالب بالأعمال الظاهرة التي لَمْ تفرض إلَّا بعد وفاته، ولكن نقصه الاعتقاد، فلم ينفعه علمه بيوم الميعاد.
وهنا أريد أن أذكر من حَمَّلَهم الله مسؤولية تربية الأجيال، بأن عليهم غرس العقيدة الصافية في قلوب الناشئة فعليها ينبني الإسلام وهي التي تحمل النشء فيما بعد على امتثال الأوامر واجتناب النواهي وعمل الصالحات فإنا نجد أن الله سبحانه وتعالى كثيرًا ما يقول:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ … }[الكهف: ٣٠] فتبين لنا أن العمل بعد الإيمان، وهذا هو مراده تعالى من قوله:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ … }[محمد: ١٩] وهذا ليس بجديد فقد عرفه المصلحون ودعوا إليه. وما نفتأ نسمع الدعوة إلى هذا الأمر من جلالة المصلح الكبير فهد بن عبد العزيز، فلا توجد خطبة من خطبه ولا توجيهًا من توجيهاته حتى وإن كان لقاءً صحفيًا إلَّا وفيها الحث على التمسك بالعقيدة ولكن من المؤسف حقًّا أن نسمع كلمات المصلحين تتردد في كلّ مناسبة ولا نلقي لها بالًا وهذا ما أصبنا به، فاللهم سلم.
الوجه الرابع: ما ذكره (الشهرستاني) في الملل والنحل، لما ذكر المؤمنين في الفترة قال: ومن هؤلاء زهير بن أبي سلمى كان يمر الغضاة وقد أورقت بعد يبس. فيقول: لولا أن تسبَّني العرب لآمنت بمن أحياك بعد يبس سيحيي العظام وهي رميم. قال: ثم آمن بعد ذلك وقال قصيدته المعلقة ا هـ.
ومن هنا علمنا أن زهيرًا لَمْ يؤمن لأنه قال: لولا أن تسبَّني العرب لآمنت بمن أحياك، فقدم الخوف من مسبة العرب على معرفته وعلمه فمات كما قال بجير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فدين زهير وهو لا شيء دينه) فتبين بذلك ما أثبتناه، نعوذ بالله من علم لا ينفع. فتأمل قصة هذا الرجل الذي محمد من أعلم أهل زمانه وأحكمهم. وقارن بين علومه ومعارفه وبين ما مات عليه، يتبين لك الفرق بين الإسلام والإيمان وبين مُجَّرد العلم والاعتقاد والله المستعان.
هذا، وقد كانت ولادة شاعرنا سنة ٥٢٠ م وتوفي سنة ٦٢٧ م وقد عاش مائة سنة وثمان سنين على الأصح وحسب قوله في قصيدته التي قدمناها. والله أعلم.