بالحلف الكاذب، فتأمل ذلك قارئي العزيز. واخْلُ بنفسك قليلًا وتدبَّر كيفية بناء دينك فإذا لَمْ يكن على أساس صحيح فثبت اساسه بتصحيح الاعتقاد وستجد عند ذلك حلاوة الطاعة، وتعرف قبح المعصية، كان الله بعون الجميع.
فالمقصود أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا ينطق عن الهوى ولو كان زهير مؤمنًا لَمْ يوافق النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشاعر في قوله هذا وهو قطعا لا يقول إلَّا حقًّا، ولا ينطق إلَّا صدقًا، ولا يوافق على ظلم، فداه أبي وأمي ونفسي.
الوجه الثاني: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا حريصين على أن يُشهد لآبائهم بالإيمان. ولو لمس كعب بن زهير وبجير بن زهير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن هناك فرصة للاستغفار لوالدهما لَمْ يترددا في ذلك ولطلبا من النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يستغفر له. وهذه لا تغيب عنهما ولا عن غيرهما أبدًا كيف وهما من أجلاء الصحابة رضي الله عنهم، بل هي منقبة عظيمة لهما أن يكون أبوهما آمن من قبل نزول الوحي وهذا لا يحتاج إلى دليل.
الوجه الثالث: أن بجير بن زهير لما أرسل له كعب تلك القصيدة أجابه بهذه الأبيات:
من مبلغ كعبًا فهل لك في التي … تلوم عليها باطلًا وهي أحزم
إلى الله (لا العزى ولا اللات) وحده … فتنجو إذا كان التجاء وتسلم
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت … من النّاس إلَّا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شيء دينه … ودين أبي سلمى عليَّ محرم
فهذه شهادة من بجير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتبرؤه من دين أبيه وجده مما يدلُّ دلالة واضحة على أنَّ زهيرًا مات على دين آبائه، وأن علومه ومعارفه لَمْ تغن عنه شيئًا لأنه لَمْ يعتقدها، ومن هذا المنطلق يتبين أن العقيدة هي الأساس، وأن الإيمان هو الأعمال الباطنة بمعنى الاعتقاد الجازم الذي لا يشوبه شك أو شبهة، وأن الإسلام هو الأعمال الظاهرة كالصلاة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك (١)، فلو
(١) القاعدة المعروفة أنه إذا ذكر الإيمان على التصديق والاعتقاد ودلَّ الإسلام على الأعمال الظاهرة التي هي أعمال الجوارح، وإذا ذكر الإيمان دخل فيه الإسلام.