للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يحافظ على حياة الظعن من الهلاليين إلا القبائل القوية وأحلافها، أما من ضعف منهم فكانوا ينزلون المدن والقرى البربرية أو يحدثون لأنفسهم قرى بالزاب والصحراء، ويشتغلون بالفلاحة ويستبدلون بالشاء البقر.

وكانت زناته وبعض البربر على مثل هذه الحياة البدوية من قبل مجيء الهلاليين؛ لأنها حياة ناشئة عن طبيعة الوطن لا دخل للنسب فيها، ولتشابه الحياتين تأثر الهلاليون بزناته في بعض عوائدهم. قال ابن خلدون متحدثا عن العرب:

"شعارهم لبس المخيط في الغالب، ولبس العمائم تيجانا على رءوسهم، يرسلون من أطرافها عذبات يتلثم قوم منهم بفضلها، وهم عرب المشرق، وقوم يلفون منها الليت والإخدع قبل لبسها ثم يتلثمون بما تحت أذقانهم من فضلها، وهم عرب المغرب حاكوا بها عمائم زناته من أمم البربر قبلهم، كذلك لقنوا منهم في حمل السلاح اعتقال الرماح الخطية وهجروا تنكب القسي، وكان المعروف لأولهم ومن بالمشرق لهذا العهد منهم استعمال الأمرين.

"فهذه كلها شعائرهم وسماتهم، وأغلبها عليهم اتخاذ الإبل والقيام على نتاجها وطلب الانتجاع بها لارتياد مراعيها ومفاحص توليدها، بما كان معاشهم منها، فالعرب أهل هذا الشعار من أجيال الآدميين، كما أن الشاوية أهل القيام على الشاة والبقر، لما كان معاشهم فيها؛ فلهذا لا يختصون بنسب واحد بعينه إلا بالعرض؛ ولذلك كان النسب في بعضهم مجهولا عند الأكثر، وفي بعضهم خفيا عن الجمهور، وربما تكون هذه السمات والشعائر في أهل نسب آخر فيدعون باسم العرب" اهـ.

ولسان الهلاليين مضري، حافظوا عليه ببداوتهم في المفردات والتراكيب ووجوه البلاغة وأساليب الخطاب.

قال ابن خلدون:

"وفيهم الخطيب المصقع في محافلهم ومجامعهم، والشاعر المفلق على أساليب لغتهم، والذوق الصحيح والطبع السليم شاهدان بذلك، ولم يفقدوا من أحوال اللسان المدون إلا حركات الإعراب في أواخر الكلم فقط" اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>