وقد ذكر العبدري في رحلته - وهو من أهل القرن السابع الهجري - أن عرب برقة لم يزالوا يعربون أكثر أقوالهم، ويتحدثون بما يعد عند العلماء غريبا، وذكر ما سمعه من أقوالهم المعربة وألفاظهم الغريبة، وعلل ذلك بعدم اختلاطهم بالناس وقال: هم أفصح من عرب الحجاز وغيرهم.
فلعل الهلاليين إنما فسد لسانهم بالجزائر لاختلاطهم بالبربر، ويشهد لذلك أننا نرى اليوم عرب الصحراء القليلي الاختلاط بغيرهم أصح عربية وأقوم مخارج حروف، وعرب السواحل المغمورين بالبربر أفسد نطقا بالحروف وأردى لغة، ومع هذا فالهلاليون أثروا من حيث اللغة في البربر ممثر مما تأثروا بهم.
وذكر ابن خلدون أن بداة العرب شرقا وغربًا يمتازون عن أهل الحضر بأن مخرج القاف لديهم بين مخرجي الكاف والقاف الحضرية، ولم تزل هذه القاف البدوية لعهدنا، وهي مثل القاف الأعجمية التي نجدها في الأعلام البربرية والإفرنجية وغيرها، مثل بلقين وتاقرا وقسال وقوتية، وكان الأقدمون كالبكري يرسمونها جيمًا، فيقولون بلجين وتاجرا، ومن بعدهم كابن خلدون يرسمونها كافًا، فيقولون بلكين، وكُتَّاب عصرنا يرسمونها غينًا، فيقولون غسال وغوتية، وأنا أختار رسمها قافا إذ هي مثل القاف البدوية مخرجًا.
وكانت أخلاق الهلاليين هي أخلاق الجاهلية بما فيها من حسنات وسيئات كالجود والشجاعة وعزة النفس وإباية الضيم وحفظ العهد وحسن الجوار والاعتراف بالجميل والتمدح بالغارة وبغض الصنائع والحرف.
ومعارفهم هي معارف الجاهلية من عناية بالأنساب وكل ما يتصل بحياتهم البدوية، وليس لهم من الإسلام بعد الشهادتين كبير علم أو عمل، وقد تأثروا من هذه الناحية بالبربر، فنبذ القاطنون بالنواحي الخصبة حياة الغارة والفتن، وحيى فيهم الشعور الديني، وظهر منهم من دعا إلى السنة، ورابطوا في الثغور لحمايتها من النرمان، ولم يُعرف عنهم إعانة الكفار أو الاستعانة بهم حتى كانوا بنو زيان أواخر أيامهم يستعينون بعضهم على بعض لنيل الملك بالإسبان النازلين بوهران، فجروا معهم أحلافهم من عامر وزغبة القاطنين بنواحي وهران، فأصبحوا من بعد جندًا لنصارى الإسبان.