وللقبائل الهلالية مناطق تتقلب فيها ظعنًا وإقامة، ولكل رئيس منها يُلقَّب أميرًا أو شيخًا أو سيدًا، والغالب أن يكون معه من قبيلته رئيس تابع له يُلقَّب رديفًا، وقلما تخرج رئاسة القبيلة من بيت إلى آخر، وللرئيس صفات يمتاز بها من كبر سن ورجاحة عقل وفصاحة لسان وفضل وجود، وليس للحكومة عزله إلا أن تكون قبيلته ضعيفة.
وكثيرًا ما تكون الحروب بين الهلاليين إما بين قبيلتين متجاورتين لأسباب أهمها التنازع على وسائل الحياة ولاسيما بالصحراء، وإما بين أفراد القبيلة الواحدة لأسباب أهمها التنازع على الرئاسة، ولا يفض الخصام كالحسام، وينتج عن هذه الحروب ضعف قبيلة واستعلاء أخرى، فتضطر الضعيفة إما للجلاء إلى ناحية أخرى وإما للاحتماء بقبيلة أقوى، فتضع القبيلة الحامية على المحمية عربية أو بربرية ضريبة معلومة يسمونها خفارة، وهي آية الشرف الحربي، واليوم لم يزل لبعض القبائل على غيرها خفارة يقبضونها باسم الشرف الديني، ويحرفون لفظها إلى غفارة كما حرفوا أصل وضعها.
وقد احتاجت الحكومات البربرية إلى القبائل العربية، فقربت رؤساؤهم بالمصاهرة والمجالسة، وأقطعتهم الأراضي، واعتمدت عليهم في جباية الخراج وتجنيد الجنود، وعرف العرب أن نعمتهم تلك لا تدوم إلا بضعف الحكومة فكانوا يحدثون لها المشاكل ويدبرون عليها الثورات، ويتحدثون ضدها متى خشوا قوتها نابذين ما بينهم من تراث، وينقسمون على الحكومات متى تعددت، وقد أصبحت الحكومات الحفصية والزيانية والمرينية كل منها تعتمد على قبائل عربية سلمًا وحربًا.
ولم تكن مشاغبة الهلاليين للحكومات البربرية لطمع في الملك أو طلب للفوضى. وإنما كانت لحفظ حياتهم البدوية، وكانت القبائل البربرية تتواثب على الملك إرضاء لشهوات زعمائهم لا لاختلاف مبادٍ أو تباين غايات، ونتج عن سياسة هذين الجنسين المشتركين في الدين والوطن نتائج سيئة عادت عليهم جميعهم بالوبال.
قال ابن خلدون: "وكان في هؤلاء العرب لعهد دخولهم إفريقيا رجالات يذكرون، وكان من أشهرهم حسن بن سرحان وأخوه بدر وفضل بن ناهض؛ وهم