شمال إمارة نجران، واكتشفت ونحن عند الشيخ عبد الرحمن أنه لا سبيل إلى زيارة أي من القريتين في هذا اليوم، لبعد المسافة ووعورة الفرق، فطريق اليدمة كان ينبغي أن يكون من نجران رأسًا على طريق الرياض، ومن هنا يفرق في متاهات في صياهد من الأرض لا يسير فيها إلا الخبير، وأين نحن منه؟ أما طريق بدر فكان ينبغي أن يكون عن طريق (ظهران) ثم يفرق بعد ذلك في جبال وأودية تحتاج إلى وقت لا يكفيه ما بقى من يومنا.
ودعنا الشيخ الكريم عبد الرحمن بن ناجي القعوان وسرنا في وادي حبونا صعدًا، فإذا نحن بين قرى وغدر هنا وهناك غابات من الطرفاء والأراك والطلح أحيانًا، بالإضافة إلى غابات النخيل التي كانت تميز المنطقة وتحيط بالقرى في روابي على جانبي الوادي وعلى (١٢) كيلًا من قاعدة حبونا وصلنا إلى (المجمع) حيث تجتمع روافد وادي حبونا العلي: وادي صيحان، ووادي حلال، وهدادة، وهي باحة من الأرض متسعة بين الجبال تجتمع فيها تلك الأودية وتختلط فيها غابات النخيل بالبيوت والغابات الحرجية، حتى ليضل فيها الإنسان في وضح النهار. فأخذنا في وادي (حلال) الذي جاءنا من مغيب الشمس بينما كنا نسير شمالًا بميل يسير إلى الغرب، فواصلنا سيرنا في (حلال) فصلينا الظهر، والعصر - متأخرين - قصرًا وجمعًا، ثم واصلنا سيرنا إلى قرية (الحرشف) على (٢٣) كيلًا من المجمعة أو المجمع، كل ذلك في طرق وعرة أضنت سيارتنا.
وكنا قبل خروجنا من عند الشيخ عبدالرحمن القعوان قد قررنا المضي في رحلتنا إلى بدر، ولكن هنا في وادي حلال أدركنا أنه يتعذر علينا الاستمرار إلى هناك، فصرفنا وجهتنا عنها. استمرت الطريق من قرية الحرشف غربًا، فجاءنا من الجنوب أحد روافد حلال، فعادت الطريق فيه قبلًا، وغير بعيد من واجهتنا عقبة (ضُبَين) وهي على صعوبتها أسهل من عاقبة دسوم، ولم تصعدها سيارة الجيب إلا بالدبل (الغيار الإضافي) وجميع المنحدرات في نجران حادة؛ لأن جبالها ترتفع عن الأودية ارتفاعًا شبه عمودي، وهي مُعط جُرد لا تنبت شيئًا ولا تعلى إلا لضرورة. ثم لم نلبث أن