ولا يقدح في مناصبهم بل ذاك مما يزيد في شرفهم وفخرهم ورفعة مجدهم، ألا ترى أنَّها محرمة على آله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلل ذلك بأنها أوساخ النّاس وهم منزهون عنها، فليت شعري من الذي يعاب دافع الأوساخ أم آخذها؟ ولا سيما حيث كانوا يأخذونها على وجه الانتساب إلى أجدادهم الذين هم شيوخ سيدي نايل رضي الله عنهم الذين نال على أيديهم الفتح الأكبر ومعرفة الله عزَّ وجلَّ وعادت بركات ذلك السر على أولاده وفي ذريته إلى هلم جرا. وقد قال العلماء: أربعة تزيد الشريف شرفًا خدمته لشيخه، وخدمته لوالديه، وخدمته لضيفه وخدمته لفرسه، ونحن نرى أن الذين يعطون الغفارة أسعد حالا وأنمي عددًا وأكثر مالًا وجاهًا يشهد بذلك العيان وليس بعد العيان بيان. وإن تعجرف أولاد الصالحين عند طلبها وأخذها وأظهروا التعاظم فإن ذلك ضرب من الحمق والغفلة عن معرّة ذل السؤال وفرق كبير بينهم وبين سلفهم الذين كانوا يأخذون هذه الصدقة باسمه والانتساب إليه فأين الحال من الحال؟ ولم أر من ذكر هذه الغفارة وذكر حكمها إلَّا ابن ناجي في "معالم الإيمان في ذكر صلحاء قيروان"، فإنه ذكرها في ترجمة بعض الأولياء وأقرها ولم ينكرها وكأنه رآها من قبيل المعروف والوصية بالإحسان إلى أولاد المشايخ. وبالجملة فالتسليم أسلم والله بأحوال خلقه أعلم. (انتهى)
فائدة: ذكر صاحب كتاب "الأنوار" كرامات لسيدي نائل رضي الله عنه نذكر منها اثنتين عملًا بقول صاحب الجوهرة:
وأثبتن للأوليا الكرامة … ومن نفاها فانبذن كلامه
منها في أيامه عزم المنصور الإِمام عندما اختل الأمر في تلك الناحية وأراد أن يملك بعضًا من نواحي الزيبان جاء أهل الزيبان يشتكون إلى سيدي نائل، فقال:"امهلوا فإن المنصور لا يصل إلى وُجْده فضلًا عن بلادكم"، فكان الأمر كذلك فرجع بجيوشه وكفاهم الله شره وكسر شوكته، ومرة جاءه رجل يومًا فقال: إن بالقيظة الفلانية أسدا لا يقدر أحد أن يمر على تلك الناحية فقام الشيخ ومشى معه حتى وقف على الساحة التي فيها الأسد وقال: يا قسورة (ثلاثًا) فلما استتم الثلاثة حتى أتي