للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالدين الإسلامي، فعلى الرغم من ترخيصه الطلاق بشروط فهو يعتبر أبغض الحلال عند الله، ولذلك فمن النادر اللجوء إليه.

وقد لاحظ بوركهارت في رحلته إلى السودان في أوائل القرن التاسع عشر أن عبابدة القراريش برغم فقرهم يأبون أن يزوجوا بناتهم للنوبيين (١).

وأما العادات المرتبطة بالوفاة وبعد مواراة المتوفي التراب يتلقى أهله العزاء المدة تصل إلى أسبوع، ثم يجدد الاحتفال بذكرى المتوفى بعد أربعين يومًا، وأخيرا بعد حول كامل، ويسمى الاحتفال الأخير باسم (الحولية) (٢). ففي حالة وفاة شخص عظيم يستمر العزاء لمدة أطول حتى تحضر كافة القبائل الموزعة في الصحراء حيث إنه من المتعذر أن تعلم كافة القبائل في وقت واحد، وغالبا ما يأتي هؤلاء ومعهم الهدايا من الإبل والنقود لأهل المتوفي.

والعبابدة بشكل عام لا يتكلمون كثيرًا كسائر أهل المدن أو المقيمين حول النهر. وربما يعود ذلك إلى حياة الصحراء التي علمتهم الصمت وربما تدربوا على هذه الخصلة كضرورة لحياتهم في تلك البقاع .. فالصمت يقلل من الظمأ فيوفر بعض الماء. وبالإضافة إلى هذا العامل فإن اتساع الصحراء وتفرق النّاس بين شعابها لا يتيح اللقاء كثيرًا فأصبحت الوحدة والانفراد بشكلان عالم الرجل العبَّادي والبدوي بشكل عام في الصحراء.

ومن الأمور التي يجدر الإشارة إليها الطب عند العبابدة وهو عبارة عن وصفات ورثوها عن الأجداد بعد أن أخضعوها للتجربة على مدى العصور، فهم يتداوون ببعض الأعشاب الصحراوية مثل الشيح والحرجل وحلف البر والحنظل وغيرها ولهم وصفات للعلاج من لدغ العقرب أو الثعبان.

وعلى أية حال فإنه يمكن القول بأن مجتمع العبابدة كان مجتمعا بسيطا غير معقد، يسوده الوئام. ومرد ذلك إلى طبيعة المجتمع الصحراوي المترامي الأطراف والذي يتسع للجميع، وتعارف أهله الذين تجمعهم أواصر القربى والمصاهرة والذين سرت بينهم عادات وتقاليد تناقلوها من الأجداد وأصبحت بمثابة قوانين تحكم وتربط نسيج مجتمعهم رغم اتساع المسافات فيما بينهم في الصحراء


(١) بوركهارت: رحلات بوركهارت في بلاد النوبة والسودان. ص ٢٧.
(٢) نعوم شقير: تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته. الجزء الأول. ص ٢٠١ - ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>