للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معاوية) فلما أجمع السير إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حطَّ أي حمل مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم فلم يزل بأوطاس اجتمع إليه الناس وفيهم دُرَيْد بن الصِّمَّة في شِجَارٍ (١) له يُقاد به، فلما نزل قال: بأي وادٍ أنتم؟ قالوا: بأوطاس. قال دُريد: نعم مجال الخيل لا حَزَن (٢) ضرس، ولا سهل دهس (٣)، ثم قال: ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويُعار الشاة؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم. قال: أين مالك؟ قيل له هذا مالك. فقال: يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويُعار الشاة؟ قال مالك: سقتُ مع الناس (هَوَازِن) أموالهم وأبناءهم ونساءهم. قال دُرَيْد له: ولِمَ ذاك؟ قال: أردت أن أجعلَ خلف كل رجل منهم أهله وماله ليقاتل عنهم. فزجره دُريْد وقال له: راعي ضأن والله! وهل يرد المنهزم شيء إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فُضحت في أهلك ومالك، ثم قال: ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحد. قال غاب الحد والجد ولو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب، فمن شهدها منكم (من عامر)؟ قالوا: عوف بن عامر وعمرو بن عامر. قال: ذانك الجذعان (٤) من عامر لا ينفعان ولا يضران، ثم قال يا مالك بن عوف إنك لم تصنع بتقديم بيضة هَوَازِن إلى نحو الخيل شيئًا، ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم ألق الصباء (المسلمين) على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من ورائك وإن كانت عليك ألفاك ذلك قد أحررت أهلك ومالك، فقال بغرور: والله لا أفعل ذلك إنك كبرت وكُبر عقلك والله لتطيعنني يا معشر هَوَازِن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري!! وكره رأي دُرَيْد. فقال فرسان هَوَازِن لمالك لما رأوه على هذا الحال من التصميم: أطعناك. ثم قال مالك لهم:

إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ثم شدوا عليهم شدة رجل واحد!

قال دُريْد: هذا يوم لم أشهده ولم يفتني وأنشأ يقول:

يا ليتني فيها جذع … أخْبُ فيها وأضع (٥)

أقود وطفاء الزمع (٦) … كأنها شاة (٧) صُدع (٨)


(١) الشِجَار: شبه الهودج مكوت أعلاه.
(٢) الحزن: المرتفع.
(٣) دهس: اللين الذي به تراب.
(٤) الجَذعان: مثنى جذع وهو الشاب الحدث وبقصد أنهما ضعيفان خاليان من التجربة في القتال.
(٥) أي يريد هنا قوة الشباب.
(٦) وطفاء: طويلة الشعر، الزمع: الشعر الذي فوق مربط قيد الدابة.
(٧) شاة: الوعل تقال على الضأن.
(٨) صدع: أي بين العظيم والحقير.

<<  <  ج: ص:  >  >>