للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شُدِّي عليَّ العَصْبَ أم سيار … فقد رزُيتِ فارسًا كالدينار

يطعن بالرمح أمام الأدبار

فقالت أمه:

إنَّا بنو ثعلبة بن مالكْ … مرور أخبار لنا كذلكْ

من بين مقتول وبين هالكْ … ولا يكون الرزء إلا ذلكْ

وَشَدَّت عليه عصابة، فاستقاقها ماءً، فقالت: إن شربتَ الماء مُتَّ!، فَكَرَّ راجعًا يشتد على القوم، وينزفه الدم حتى أثخن، فقال للظُّعُن: أوْضِعْنَ ركابكنَّ - أي احثثن ركابكن على السير السريع - حتى ينتهين إلى أدنى البيوت من الحي، فإني لما بي سوف أقف دونكنَّ لهم على العقبة، فأعتمدُ على رمحي، فلا يقدمون عليكن لمكاني، ففعلن ذلك … وهكذا حمى ربيعة بن مكدم الأظعان حيًّا وميتًا، ولم يفعل ذلك غيره فيما قاله عمرو بن العلاء، وإنه يومئذ غلام له ذؤابة، وقد اعتمد على رمحه - كما قال - وهو واقف لَهُنَّ على متن فرسه، حتى بلغن مأمنهن، وما يقدم القوم عليه.

ورآه نبيشة بن حبيب وهو على وضعه ذلك فلاحظ أنه مائل العنق، فأبدى مُلَاحَظَتَهُ هذه الذكية، وعطف عليها بقوله: (وما أظنه إلا قد مات)، وأمر رجلًا من خُزاعة كان معه أن يرمي فرسه، فرماها، فقمصت - رفعت يديها، وطرحتهما معًا - فمال عنها ميتًا.

ثم لحق بنو سُلَيْم، الحارث بن مكدم الكِنَاني فقتلوه، وألقوا على أخيه ربيعة أحجارًا، فمر به رجل من بني الحارث بن فهر (قريش)، فنفرت ناقته من تلك الأحجار التي أُهيلت على ربيعة، فقال يرثيه ويعذر أن لا يكون عقر ناقته على قبره، وحضَّ على قَتَلَتِهِ، وعَيَّر من فر وأسلمه من قومه:

مرت (١) قلوصِيَ من حجارة حَرَّةٍ … بُنِيَتْ على طَلْقِ اليدين وَهُوبِ

لا تنفري يا ناق منه فإنه … سَبَّاءُ خمر مِسْعَرٌ لحروب

لولا السِّفار، وبُعْدُ خَرْقٍ مَهمهٍ … لتركتها تحبو على العرقوب


(١) كذا بالأصل. ويبدو لي أن الصحة هي "نفرت" بدليل سياق الكلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>