إليهم من قريش عدوى المناهضة الأولى للإسلام، ولا بدع إذا تألَّبُوا على عداوته والنكاية بأهله، وقد رأينا بعض عرب الجاهلية في بئر معونة يفتكون بالبعثة النبوية الإسلامية المرشدة فتكًا ذريعًا، نتيجة الحقد العميق الذي يحملونه في صدورهم لمعتنقي الدين الجديد.
تقول (دائرة المعارف الإسلامية) البريطانية الأصل، في ترجمتها العربية بمصر:(إن السُّلَميين وأهل مكة من قريش تجمعهم مصالح مشتركة، ولذلك عادوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أول الأمر، فلما تبين لهم أن انتصار الإسلام أمر لا شك فيه أخذ هؤلاء البدو الذين يقيسون الأمور بميزان الواقع يفاخرون بإسلامهم)(١). ومع أننا نلمح في قولها هذا لونًا من الدس على إسلام بنو سُلَيْم فيما يتعلق بربط إسلامهم بقياسهم للأمور بواقع الميزان المصلحيِّ ومفاخرتهم - بمقتضى هذه المصلحة المادية - بدخولهم الإسلام، فمما لا ريب فيه أن انتصار الإسلام قبيل دخولهم الإسلام كان ظاهرة تلوح في كل أُفُقٍ من آفاق جزيرة العرب، ولكن دخول بني سُلَيْم في الإسلام - على ما هو الواقع - لم يكن نتيجة مصلحة مادية لاحت لهم، فرجحوها على ما هو أدنى منها، وإنما كان عن اقتناع وإيمان وتصديق ضمائرهم بأن الإسلام هو دين صدق وحق وسيمحو كل ما يعارضه في طريقه إلى كل ناحية، يدلنا على ذلك أمور وإرهاصات، فإن من رجالاتهم من دخلوا في دين الإسلام أول ظهوره بمكة، حتى قال عن نفسه هذا البعض بحقٍّ: إنه "رُبُعُ الإسلام"، لأنه كان رابع ثلاثة دخلوا فيه أول وجوده بمكة، قبل أن تبدو فيه أية مصالح مادية، وقد تابع البعض من سُلَيْم غير هذا أيضًا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وظلوا في بلادهنم يكتمون إيمانهم، وكان مع ذلك - كما يبدو لنا - يحاولون أن يُدخلوا معهم في حظيرة الدين الجديد كل من يأمن بوائقه من قومه، وما كان ليخفى مطلقًا على المشركين بطبيعة الحال حالُ المسلمين إذا تعايشوا مع المشركين، ولابد أن من قوم هؤلاء المسلمين من كانوا شاعرين باعتناقهم لدين الإسلام ومفارقتهم للأوثان عارفين بذلك، ويتهامسون به في مجالسهم الخاصَّة وربما العامة، وكانت دعوة مُسلميهم السرية قد بدأت تظهر عندما لاحت بوارق انتصار الإسلام، فصاروا يدعون قومهم أو من يرجون منهم قرب الاستجابة لدعوتهم جهرًا، وهكذا كانت نفوس بني سُلَيْم مهيأة للإسلام
(١) دائرة المعارف الإسلامية، ص ١٤٤، المجلد الثاني عشر، طبع مصر.