وسارت قصيدة ثابت الرقيُّ، في شتى الآفاق، وتداولتها الألسنة، حتى صارت كالمثل السيار على الأفواه قديمًا وحديثًا.
وقد اتفق أن نَخَّاسًا، عَرَض جاريتين على الأمير أحمد بن يزيدَ السُّلَمي - ابْنِ الذي قيلت فيه الأبيات المارةُ -، فقال أحمد بن يزيد السُّلَمي للنَّخَّاس: أيهما أحسن: هذه، أو هذه؟ فما كان من النخاس إلا أن أجابه - لسوء حظه - بقوله: بينهما - أعز الله الأمير - ما قال الشاعر:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى: … يزيد سُلَيْم والأغرَّ ابن حاتم
فقال الأمير أحمد بن يزيد السُّلَمي:"خذوا بيد ابن الفاعلة"، لقد اغتم بما سمع، واغتم أكثر بسيرورة الشعر في مختلف الأوساط حتى تمثل به هذا "النخاس" أمامه ولم يكن يدري فيمن قيل ولا فيما قيل، ولا درى أن الأمير أحمد بن يزيد هو ابن الذي قيل في هجائه ذلك الشعر.
وبلغ هذا الشعرُ أبا الشمقمق، فقال يمدح يزيد بن مزيد الشيباني من بكر بن وائل:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى: … إذا عُدَّ في الناس المكارمُ والمجدُ
يزيدُ بني شيبان أكرم منهما … وإن غضبت قيس بن عيلانَ والأزد (١)
ومن الجدير بالذكر في هذه القصة أن ولاية يزيد بن حاتم لإفريقية كانت من قبل أبي جعفر المنصور العباسي، في أواسط القرن الثاني الهجري، وكانت وفاته بسنة ١٧٠ هـ في خلافة هارون الرشيد.
وحكاية رمي الشاعر ثابت الرقيُّ، يزيد بن أسيد السُّلَمي بالشَحِّ البالغ ربما تعتبر في نظر الواقع من منسوجات خيال الشعراء، المنبثقة من عواطفهم وانفعالاتهم وتأثراتهم، فهم إذا رضوا أطنبوا في المدح وبالغوا فيه كما فعل ثابت مع ممدوحه يزيد بن حاتم، وإذا غضبوا أو لم تُستَجَبْ مطالبهمُ أعلنوا سخطهم وبالغوا في هجائهم، وحاولوا أن يكسو شعرهم في ذلك ما يجعله سَيَّارًا بين مختلف الأوساط، زيادة في النكاية بمن حرمهم من عطائه ومبالغة في تقدير من أكرمهم بإعطائهم.