للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصري الفيَّاض بالخيرات لهدف سياسي هو أن يحفظون التوازن بين القبائل القحطانية الكثيرة التي نزلت أو أُنزلت بمصر في أيام الفتح الأولى، وبين القبائل العدنانية القليلة النزوح إلى هنالك، ثم تجمَّد وضعهم حتى رأيناهم في القرن الهجري الثالث في عهد الخليفة الواثق العباسي يهبطون إلى دركات العبث والإخلال بالأمن في ديارهم، ويعودون إلى شنَّ الغارات من ديارهم الأصلية على جيرانهم ويفتكون بهم، فيجرد الواثق عليهم حملة كبيرة من بغداد تقضي على إخلالهم بالأمن، وتفتك بالكثير من رجالهم، ومن ثم تُعنى الدولة العباسية بإعادة الاطمئنان والاستقرار إلى ربوعهم فتُعمِّرها لهم، فتزدهر ازدهارًا لا نعلم من أبعاده إلا ما تشير إليه في غموض بالغ لمحاتُ المؤرخين، وإلا ما تحدثنا به الآثار المستكشفة حديثًا في بلادهم، مما فصَّلناه في مكانه.

وما إن يبدو الضعف في الدولة العباسية حتى نرى بنو سُلَيْم يعودون إلى امتشاق الحسام وشنِّ الغارات، وقد خاضوا غمار معارك مع قبيلة حرب اليمانية النازحة من أرض اليمن إلى جوارهم، كما وُجهت لهم حملة تأديبية من ابن ملاحظ أمير مكة، وكانوا مع القرامطة وقد احتلوا معهم ديار الشام، فلما وهن أمر القرامطة انسحبوا معهم إلى البحرين وانكمشوا هنالك، ثم اشتد ساعدهم في البحرين، وقد نص التاريخ على أن انضمام بني سُليُم إلى القرامطة كان انضمامًا شَغَبَيًا نفعيًّا مجردًا، ولم يكن لانضمام هؤلاء البدو إلى حركة كهذه أثر يذكر في عقائدهم، اللهم إلا ما ظهروا به من رغبة الشغب وخضوع لإرادة غير موجَّهة، وكان منهم جماعة تنتشر في طريق الحج المؤدي إلى مكة لقطع الطريق والإغارة (١)، فلما تغلب بنو الأصفر على البحرين (الإحساء) في سنة ٣٧٨ هـ باسم العباسيين وطردوا منها بني سُلَيْم الذين كانوا أعوانًا للقرامطة حينئذ، رأى الفاطميون - العبيديون - عندها أن يسمعينوا بهؤلاء الأعراب الأشداء، فشجَّعوهم


(١) النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة، لأبي المحاسن، يوسف بن تغري بردي، ص ١١٥ و ١٢١، الجزء الثالث، طبع دار الكتب المصرية بمصر، وباب "القبائل العربية في إقليم مصر في عصر الولاة، ١٨ - ٢٥٤ هـ، للدكتور عبد المجيد عابدين، ص ١٢٥، ط مصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>