للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصنَّف التصانيف المفيدة، وروى عنه الدمياطي وخرَّج له أربعين حديثًا، وووى له ابنُ دقيق العيد، وهو الذي لقبه بسلطان العلماء، وخلقٌ غيرهما.

وحينما عاد من بغداد إلى دمشق، تولى الخطابة والتدريس بزاوية الغزالي ثم بالجامع الأموي، وفي خطابته أزال كثيرًا من بدع الخطباء، ولم يلبس سوادًا ولا سجع في خُطبه، كان يقولها مترسلًا، واجتنب الثناء على الملوك، وإنما كان يدعو لهم، وأبطل صلاة الرغائب والنِّصف من شعبان فوقع بينه وبين "ابن الصلاح " بسبب ذلك، وحينما سَلَّم الصالح إسماعيل قلعة - (الشفيف) (١) و (صفد) للفرنج، نال منه الشيخ على المنبر ولم يَدعُ له، فغضب الملك من ذلك وعزله وسجنه، ثم أطلقه، فتوجه إلى مصر، فتلقاه صاحب مصر الصالح نجم الدين أيوب وأكرمه وولاه قضاء مصر، فقام بمهمات المنصب خير قيام، ومكنه "الصالح" من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم اعتزل القضاء، وعزله السلطان من الخطابة، فلزم بيته يُدرِّس الناس، وأخذ في التفسير في دروسه، وهو أول من أخذه في الدروس. قال الشيخ قطب الدين اليَوْنينيُّ: كان مع شدته فيه حسن محاضرة بالنوادر والأشعار، ولما مرض أرسل إليه الملك الظاهر يقول: (إن في أولادك من يصلح لوظائفك؟ فقال: لا.

وقد انتهت إلى الشيخ عز الدين السُّلَمي معرفةُ المذهب الشافعي مع الزهد والورع، وقمعه للضلالات والبدع، وكان يحضر السماع، وكان قائمًا خير قيام بالذب عن السنة، ولا يقبل الهوادة أو المسايرة في ذلك مطلقًا مع أي إنسان ولو كان السلطان.

ولهيبته العلمية في النفوس وصلاحه وورعه وتقواه لُقِّبَ بسلطان العلماء، مما يذكرنا بما قاله الشاعر في الإمام مالك بن أنَس:

يأبى الجواب فما يُراجَع هيبة … والسائلون نواكس الأذقان

أدب العلوم و"عزُّ سلطان "التقي … فهو المهيب وليس ذا سلطان

ومن لطائف المصادفات أن الشاعر الذي مدح الإمام مالكًا جاء في بيته الثاني قوله: "وعز سلطان التقي"، وهذه العبارة جمعت بين أوائل لقبي عبد العزيز بن عبد السلام السُّلَمي اللذين هما: (عز الدين) و (سلطان العلماء).


(١) قلعة الشقيف الآن في لبنان بالجنوب وتشرف على فلسطين.

<<  <  ج: ص:  >  >>