الجحَّاف، فهرب إلى بلاد الروم فأقام سبع سنين، وبعد موت عبد الملك أمنه الخليفة بعده: الوليد - في رواية - فرجع (١).
هذا، ومنذ معركة مرج راهط، كانت المعارك مستعرة بين قيس وتغلب بالشام والجزيرة - شمال العراق، وفي سنة ٧٣ هـ كان مقتل عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فهدأت الفتنة بين العنصرين، واجتمع النّاس على عبد الملك بن مروان، وتَكَافَتْ قيس وتغلب عن المغازي، وإن كان في أنفس زعمائها ورجالها شيء كبير من الحقد على بعض، وتكلم عبد الملك في ذلك ولكنه لَمْ يُحكم الصلح، وبينما هم على ذلك الحال من المهادنة إذ قام الأخطل فأنشد عبد الملك بن مروان - وعنده وجوه قيس عَيْلان وفيهم الجحَّاف بن حكيم السُّلَمي - أنشد قَوْلَهُ من قصيدة كان نظمها مدحًا في بعض بني أمية:
ألا سائِلِ الجحَّاف هل هو ثائر … بقتلى أُصيِبَتْ من سُلَيْمٍ وعامر؟!
أجحَّافُ إن نهبط عَلَيْك فتلتقي … عليك بحور طاميات الزواجر
تكن مثل أَبْداءِ الحُباب الذي جرى … به البحر تزهاه رياح الصراصر
فوثب الجحَّاف يجر مطرفه من الغضب، فقال عبد الملك للأخطل: ما أراك إلَّا قد جررت على قومك شرًّا … ومضى الجحَّاف، فأتي قومه وافتعل كتابًا وحشا جُرُبًا - جمع جراب - ترابًا، وقال لهم: إن عبد الملك قد ولاني بلاد تَغْلِب وهذه الجُرُبُ فيها المال، فتأهبوا وامضوا معي فمضوا معه. فلما أشرف على بلاد تَغْلِب نشر التراب وخرق الكتاب، وقال: ما من ولاية ولكني غَضِبتُ لكم - وأخبرهم بقول الأخطل عند عبد الملك - فَاثْأرُوا بقومكم، فشدَّ علي بني تَغْلِب بالبشر - ماء لهم أو جبل - ليلًا وهم غَارَّون آمنون، فقتل منهم مقتلة عظيمة وهرب من ليلته، وكان ممن وقع في أيدي بني سُلَيْم "الأخطل" الشاعر نفسه، وكانت عليه عباءة دنسة، فسألوه، فذكر أنه عبد من عبيدهم فأطلقوه، فقال ابن صفار في ذلك يخاطب الأخطل: