وطَيَّبَ نفسي أنّني لَمْ أقلّ له .. كَذَبْتَ ولم أبخلْ عليه بماليا
وَذِي إخوةٍ قطَّعتُ أقْرانَ بينِهمْ … كما تركوني واحدًا لا أخا لِيا
ولو أردنا أن نحلل مدلولات هذه القصيدة لاستطعنا أن نقول: إن صخرًا في رثائه لأخيه معاوية إنما يَمْتَحُ من بئر غزيرة فياضة بالشعر البديع وبالحزن الممض، وقد أجاد في التعبير عما في ضميره المكبوت الخفاق بالآلام والأوصاب من جراء الفراق الأبدي المحزن لأخيه الحبيب (معاوية)، ولست أدري أرثاؤه له نابع من روح أخته الخنساء، أم رثاؤها له ولصخر راثي أخيه بعد مقتله هو النابع من رثائه البليغ؟! أم هناك تفاعل بين رثاء الأخوين الشاعرين البارعين خاصة في شعر الرثاء الذي بلغا فيه القمة، بساطةً وتأثرًا وتأثيرًا وإشجاءً .. لست أدري!
ومن أخبار قتل صخر، أنه لما طعنه أبو ثور الأسدي أدخل حَلَق الدرع في جوفه، فمرض زمانًا، فجعل ينفث الدم وينفث معه حلق الدرع، وكانت امرأته (سليمي) تقوم عليه، فطال مرضه عليها وملته، فمر بها رجل - وكانت ذات خَلْقٍ فقال: أيُبَاعُ الكَفَلُ؟ فقالت: عما قليل، فسمع صخر ما دار بينهما من الحوار، وقال لها رجل آخر: كيف صخر؟ فقالت: لا حَيٌّ فيرجي، ولا ميت فيُستراح منه، فسمعها صخر أيضًا، فَهَمَّ بأمْرٍ في نفسه، وقال لها: ناوليني سيفي - وهو يريدها - انْظُرْ ما بقي من قوتي، فناولته السيف، فإذا يده لا تُقِلُّهُ، فقال صخر عندئذ:(وكأنه يرثي نفسه، وهو الشاعر الذي يجيد الرثاء كلّ الإجادة)، قال: