للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَعَتْهُ المنايا فاستجاب دعاءها … وأرغم أنفي للعدو المكاشح

فلو ناله المقدار في يوم غارة … صبرتُ ولم أجزع لنوح النوائح

ولكنَّ أسباب المنايا صرعنه … كريمًا محياه عريض المنازح

بِكفِّ امرئ كَزٍّ قصير نجاده … خبيث ثناه عرضة للفضائح (١)

لقد أجاد موسى في إبْرازِ ما تجيش به نفسه من انفعالات الحسرة والألم بفقده لأخيه في غير معركة ضارية خاضها، وإنما بيد جانية أثيمة تولت اغتياله غدرًا: يَدِ امرئ كَزٍّ قصير نجاده، خبيث ثناه عرضة للفضائح.

هذا، ولا يخرج رثاء موسى هذا، ولا رثاء أَنَس بن عباس قبله عن طريقة بني سُلَيْم في المرائي بإبراز ما، كنه صدورهم من مقة وثقة وتقدير لمن يرثونه من ذويهم، وقد سارت على تلك الطريقة نفسها الخنساءُ السُّلَميةُ، ولكنها برعت فيها براعة رفعتها إلى مستوى القمة من الرُّثاة من شعراء العرب وشاعرهم في مختلف العصور ومتوالي الأجيال.

وعلى ذكر "الفضائح" في قصيدة موسى السابقة، فإننا نجد شاعرًا سُلَميا آخر، هو "معاوية بن مالك"، يذكر في شعره "الفضيحة" ويفتخر بتنائيه عن مواقعها في ساحة المعركة فيقول:

لما رأيتُ نساء قومي حُسَّرًا … وترت إليَّ النفس غير مزاح

أقدمتُ حتى لَمْ أجد مُتَقَدِّمًا … وعلمتُ أنَّ اليوم يومُ فِضاح

واهتمام شعراء بني سُلَيْم بذكر (الفضائح) في أشعارهم يدلنا على شدة مَقْتِهِمْ للوقوعِ فيها، ولموسى أبيات قويةُ السَّبْكِ منها قوله:

فَتىً كانَ أحيَى من فتاة حَيِيَّةٍ … وفي الرَوع أمضى من ضُبَارِيَةِ وَرْد (٢)

ولعلَّ من المناسب أن نذكر هنا ما تراءى لنا أثناء دراسة أشعار بني سُلَيْم في الرثاء، فإن أشعارهم تحمل في الرثاء خاصة، البلاغة واستخراج ما تجيش به


(١) معجم الشعراء للمرزباني، ص ٢٨٧.
(٢) معجم الشعراء للمرزباني، ص ٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>