للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقصى حدود الكرم، شجاع إلى درجة الجرأة، فارس يعشق فرسه ويتغنى بذكر محاسنه، شريف النفس إلى حد التضحية بماله ومصالحه وذاته في سبيل الشرف، متمكن فيه الإسلام قوي الثقة بالله، متواكل أحيانًا إلى درجة التفريط والكسل! والعربي يختلف عن البربري في أرض الجزائر في أمرين أساسيين هما:

(١) البربري مقتصد يفكر في غده أكثر مما يفكر في يومه، أما العربي فلا يعرف للاقتصاد معنى، إن كان غنيا فهو شديد الإسراف يعيش عيشة البذخ والعظمة إلى أن يفنى ماله، وإن كان متوسط الحال فهو ينفق عن سعة كل ما يتحصل عليه من مال فلا تلبس أن تراه في فاقة واحتياج، وأما إن كان فقيرًا فهو لا يفكر إلا في قوت يومه فإن تحصَّل على أكثر من ذلك لم يفكر في الغد أصلًا.

(٢) والبربري (١) حقود شديد الحقد، والعربي متسامح مفرط في المسامحة، وإن أساء مسيء إلى بربري حفظ له البربري ضغينة وحقدًا وجعل همه الانتقام من المسيء ولو اعتذر وأناب!!

وإن أساء مسيء إلى أعرابي ثم ابتسم له ومد له يده ونسي الإساءة من قلبه مد العربي فورًا يد الصداقة والأخوة بكل إخلاص وانعطاف، والعربي بطبيعة


(١) قول المدني هنا لا يعني أن نقلل من شأن البربر المسلمين في الجزائر، فهم إخوة أعزاء لنا تربطنا بهم أواصر الدين والوطن، وقد برهن البربر منذ عام ١٩٥٤ م عند اندلاع الثورة التحريرية في الجزائر أنهم أبطال حرب التحرير طوال سبع سنوات ونصف سنة من القتال الدامي في حرب مأساوية شرسة ضروس، وقد ساهم أبناء قبائل البربر من الشاوية (هوارة وزناتة) في الأوراس، وكذلك بربر (صنهاجة) في بجاية على الساحل الشرقي بكل قوة في سبيل تحرير الوطن الجزائري من براثن الاستعمار الفرنسي الذي جثم على صدر الجزائر ١٣٢ عامًا، ويا للعجب بعد أن ضاع الأندلس من العرب بمساعدة الإفرنج للإسبان يريدون أن يأكلوا قطعة غالية من وطننا العربي ويقطعوا أوصال المغرب العربي، ولكن هيهات فلقد صمم العرب في الجزائر مع إخوانهم البربر على تقديم أي ثمن للحرية، وحقًّا فقد كان باهظًا من أرواح مليون ونصف مليون من أبناء الشعب الجزائري وتدمير ثمانمائة قرية وتشريد الآف وإحراق الغابات والجبال بالطائرات، وحقا فقد نال القسط الأكبر من الضغط الاستعماري هؤلاء البربر بكل صبر وثبات، وكان الجيش الجزائري يسمي الأوراس الذي به أغلبية البربر (نيران الأوراس) تلك الجبال التي كان فيها البارود ينطلق يُدوِّي للحرية ولم يسكن إلا بخروح آخر جندي فرنسي من أرض الجزائر العربية المسلمة، وكما يقول قائل إن باب الحرية الحمراء لا يُدق إلا بأيدي مضرجة بالدماء، أو كما قال الشاعر أحمد شوقي:
وللحرية الحمراء باب … بكُل يد مُضرجة يُدَقُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>