للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال (١): البحر من ورائكم والعدو من أمامكم فأين المفر؟ فليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مآدب اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته وأقواته موفورة وأنتم لا وزر لكم غير سيوفكم ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي أعدائكم، وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمرًا ذهبت ريحكم وتعوضت القلوب من رعبها منكم الجرأة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية (لدريق ملك الأندلس) فقد ألقت به إليكم مدينته المحصَّنة، وإن انتهار الفرصة فيه لممكن لكم إن سمحتم بأنفسكم للموت، وإني لم أحذركم أمرًا أنا عنه بنجوة، ولا أحملنكم على خطة أرخص متاع فيها التفوس إلا أبدأ فيها بنفسي، واعلموا أنكم إذا صبرتم على الأشق قليلًا استمتعتم بالأرفة الألذ طويلًا، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي فما حظكم فيه أوفر من حظي، وقد بلغكم ما أنشئت هذه الجزيرة من الحور الحِسان من بنات اليونان، والرافلات في الدرر والمرجان والحُلل المنسوجة بالعقيان، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك من الأبطال عربانًا، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارًا وأختانًا، ثقة بارتياحكم للطعان واستماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان، ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مغنمها خالصًا لكم من دون المسلمين سواكم، والله تعَالى ولي إنجادكم على ما يكون لكم ذكرًا في الدارين، واعلموا أني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه، وأني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لدريق فقاتله إن شاء الله، فاحملوا معي فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره ولن يعوركم بطل عاقل تسندون أمركم إليه، وإن هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه واحملوا


(١) خطبة طارق بن زياد من (نفح الطيب) مجلد (١) طبعة مصر عام ١٣٠٢ هـ.
* ذكر ابن حزم في الجمهرة أن هناك لبلي في بلاد الأندلس موضع يعرف باسم بلي وهو شمالي قرطة بأسبانبا وكانوا يتكلمون بالعربية ولا يحسنون الكلام باللطينية وهم على أنسابهم حتى القرن الخامس الهجري ويقرون الضيف ولا يأكلون إلية الشاة، كما كانت لهم دار أخرى بكورة مرور.
قلت: وأغلبهم نزح إلى بلاد المغرب بعد سقوط الأندلس في القرن الثامن الهجري في أيدى الأسبان.
* في تاريخ العبر لابن خلدون: أن جماعة من بلي (بنو زيد، بنو نعيف) سكنوا في المدينة مع اليهود ودخلوا في دينهم حينئذ قبل الإسلام وهم بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقَاع وكان مع اليهود جماعة من غسان تسمى (بنو الشقمة) أيضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>