بنفسها، برز منها رجال كرام وشعراء وفرسان، إلَّا أن هذا البحث لا يتسع مجاله لاستعراض تاريخ النواحل وإنما يختص بشخصية خلف بن ناحل، وما يتعلق به ولعل أحدًا من أبناء النواحل يقوم بإكمال ما بدأناه ويكتب عن النواحل بشكل أوسع وأشمل.
أما خلف بن ناحل الأحمدي فهو شيخ الأحامدة في نجد وقد بني له شهرة واسعة، حيث جمع بين الشيخة والثراء وبين الكرم والشجاعة، فكان شيخا حكيما في تصرفاته موفقا في غزواته. يمارس التجارة إلى جانب الشيخة، وكان بعيدا في تطلعاته التجارية، فوصلت قوافله التجارية إلى مصر والشام فضلا عن الحرمين الشريفين. وفوق هذا النجاح والتوفيق استطاع خلف بن ناحل أن يَبْني كنزا عظيما أهم وأبقى من المال ومن الشيخة، وهو السمعة الطيبة والصيت العظيم، فصار كرم خلف بن ناحل مدار حديث الركبان في البيداء، وموضوع كلام المجالس لدى أهل الوَبَر وأهل المَدَر.
وكان العرب يكفيهم بالرجل فخرًا أن يكون شجاعا أو كريما، حتى كان إذا اشتهر بواحدة من هاتين الخصلتين، قيل: فيه من الاثنتين واحدة! وكفاه ذلك فخرًا، لكن خلف بن ناحل جمع بين الخصلتين مَعًا، فكان واحدًا من كرماء العرب المتأخرين كما أنه كان فارسا وعقيدا مظفرا أيضًا، فالتف حوله جماعته وأسندوا إليه رئاستهم، فصار كما قال الشاعر العربي.
أتَتْه الرئاسة مُنْقادة … إليه تُجَرْجِرُ أذيالَها
فلم تَكُ تصلَحُ إلَّا لَهُ … ولم يَكُ يصلح إلَّا لَها
ولم يكن كرم خلف بن ناحل عاديًّا، لكنه فاق في كرمه أهل زمانه، حتى اقترن اسمه بالكرم؛ لأنه ابتدع في الكرم أشياء لم يسبقه إليه أحد، ومن ذلك أنه كان يعطي بعد رجوعه من غزواته كل من سأله وإن كان لم يكسب شيئًا من غزوته، وقد خلَّد الشعراء تلك الميزة في خلف بن ناحل، ومن ذلك قول الشاعر الأمير حمود بن رشيد من قصيدة له: