ثم انفصلت جُهَيْنة عن أهل الراية، ودونت على حدًا بالتدوين الرابع الذي اجراه بشير بن صفوان سنة ١٠٢ هـ وذلك بسبب تضخم تعداد أفرادها لكثرة من انضم إليهم، ممن وفد إلى مصر من جموع الجهنيين بعد الفتح.
واعتادت تلك القبائل جميعًا - ومنها جُهَيْنة - الارتباع في الريف المصري، أي الخروج بدوابهم في فصل الربيع من كلّ عام للرعي، ثم استقرت في مناطق ارتباعها بعد ذلك، وكان استقرار جُهَيْنة في منطقة الأشمونيين (التي تقع في جنوب محافظة المنيا الآن) ثم أجلتهم عنها قريش بمساعدة الفاطميين في القرن الثالث للهجرة، فخلصت لها تلك المنطقة وأطلق عليها (بلاد قريش) بينما اتجهت جُهَيْنة جنوبًا حتى استقرت في منطقة أخميم والتي تتبع محافظة سوهاج الآن، ولكنها انتشرت شمالًا وجنوبًا، حتى قال الحمداني عن جُهَيْنة:(وهم أكثر عرب الصعيد بالديار المصرية، ولهم بلاد منفلوط وأسيوط، وبها أقوام منهم) وذكر نزوحهم إلى الجنوب فقال: (وكانت مساكنهم أولًا بلاد قريش - يقصد الأشمونيين - فنقلهم الخلفاء الفاطميون منها إلى بلاد أخميم، فسكنوا أعلاها وأسفلها) ثم قال: ويقال أن بلِّيًا - يقصد قبيلة بلِّي - وبطونها كانت بهذه الديار - أي بلاد أخميم - وكانت جُهَيْنة بالأشمونيين جيرًانا مع قريش - كما هم بالحجاز - فوقع بينهم واقع أدى إلى دوام الفتنة، فلما أتي العسكر المصري لإنجاد قريش على جُهَيْنة (يقصد الفاطميين) خافت بلِّي فانهزمت إلى أعلى الصعيد إلى أن أزيلت أي غلبت وانتصرت قريش وملكت أماكن جُهَيْنة، ثم حصل بينهم جميعًا الصلح على مساكنهم وزالت الشحناء من بينهم، ثم اتفقت جُهَيْنة وبلي على أن يكون لجهينة من المشرق من عُقبة فاو الخراب إلى عيذاب، ولبلي من جسر سوهاج إلى قريب من قمولة.
وقد استمرت بعض البطون الجهنية في الاتجاه جنوبًا حتى استقرت في بلاد النوبة وتزوج بعض رجالها من بنات ملوكها، ولما كان من عادة أولئك الملوك أن يُورِّثوا ابن البنت وابن الأخت، فقد توصل بعض الجهنيين إلى اعتلاء عرش النوبة، وبرغم استقرار بعضهم فقد ظلت الغالبية العظمى على بداوتها.
وقد أسهم الجهنيون مع بني ربيعة في فتح بلاد البجة جنوبي مصر، كما أسهموا في تفكك مملكة النوبة المسيحية وتحولها نحو الإسلام، كما اتجهت بطون =