للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي عام ١٢١٦ هـ - ١٨٠١ م أغارت سرايا من أهل نجد على العراق فأرسل الكتخدا علي باشا لمقاتلتهم محمد بك الشاوي وفارس الجرباء ومعهما عسكر الوزير فوجدوا القوم قد تحصنوا بالرواحل وشمروا عن ساق الحرب بالبنادق والمناصل فأحجم من أرسله الكتخدا ورأوا ذلك أحمد فرجعوا إلى شفائي (عين التمر) كارهين النزال فأنّبهم ابن سند في تاريخه بقوله:

رأوا البيض مصلتات فظنوا … أنَّها انؤر بليل تشب

فانثنوا يهرعون عنها فهلا … وردوها وبالشياظم خبوا

أنكوصا عن أن تراق نفوس … بسيوف على الرؤوس تصب

هذا، ولم يعلم ابن سند أن المخاطرة بلا أمل نصرة شطط وكأن الجيش منهوك القوى فصادف على حين غرة أناسا مستريحين وقد عقلوا إبلهم وصاروا ينتظرون الحرب بهدوء وراحة فكف الجيش عن قتالهم ومال إلى جانب للأسباب المذكورة ولأحوال حربية .. والظاهر أنهم أرادوا أن يسحبوا عدوهم بحيلة حربية فيعقبوا أثرهم فلم يحصل مطلوبهم ولم يفلحوا، فانقضت الوقعة بسلام.

ولم يقف فارس الجرباء وقومه عند هذا الحد بل ازداد نفوذهم بأنهم أزاحوا العبيد وغيرهم وتمكنوا في مواطنهم، جاءوا بين النهرين - الجزيرة - في بادئ الأمر بقصد أن يرودوا المواطن وبعد ذلك جاءهم فارس بقوم كثيرين فوقعت بعض الحروب المؤلمة.

ومما تتناقله الألسن أنه حين ورود فارس الجزيرة دعا رؤساء القبائل المجاورة وقدم لهم منسفا كبيرًا جدًّا (جفنة) فيه الطعام الكثير وفي أطرافه سكاكين مربوطة بأمراس لقطع اللحوم، فاستعظموا ما رأوا وحسبوا الحساب لما وراءه وكان بين المدعوين رؤساء العبيد والجبور، وأن رئيس قبائل الجبور أبي أن يأكل بحجة أنه صام لئلا يمنعه الملح والزاد من أن يوقع بهذا الرئيس أو يغدر به وشاور أصحابه فيما أضمر له في أن يقتلوه فيأمنوا شره قبل أن يتوارد إليه قومه ويعظم أمرهم، فلم يوافقه سائر الرؤساء لأنه نزيل ولأنه لَمْ يأت محاربا فاضطر إلى العدول عن رأيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>