أما مشعل باشا فهو من معمري آل الجربا، ومن رواسيهم الأجلاء المنظورين، وهو قد برز منذ أن أعان الترك والألمان خلال الحرب العالمية الأولى في حراسة سكة حديد حلب - الموصل بصفته ضابطا عثمانيا برتبة عقيد عسكري فخري، ولما انتهت تلك الحرب، وانسحبت جنود الترك من ضفاف الفرات شمالا نحو ماردين وأورفة، حفظ رجعتهم من تعدي شذاذ العشائر وظل على اتصاله ووفائه لهم، ولما بلغ الإنكليز مدينة دير الزور وبدأت حركات عشائر الفرات لحربهم وإخراجهم، اشترك في هذه الحركات، وأبلى في الوقائع التي جرت في دير الزور وأبي كمال، وخاصة في حركات شمالي العراق في بلدة تل أعفر، حينما هاجم هو وابن عمه عجيل الياور وبعض رجال شمَّر مصفحات الإنكليز وعطلوها وقتلوا رجالها، كل ذلك في سنة ١٣٣٩ هـ.
وبعد أن سقطت بلاد الشام بيد الفرنسيين اتصل مشعل باشا بهم، وزار الجنرال غورو في بيروت، في جملة الوفود التي كانت تساق إلى زيارته، لكنه رفض تكليف الجنرال المذكور بتجهيز حملة من عشائره، مع الفرنسيين لحرب الترك في أورفة، وما إليها، فأغضب بزيارته هذه الترك الذين حسبوه انقلب عليهم، كما أغضب الفرنسيين الذين حسبوه ضدهم، ونكب بهذين الظنين الخاطئين؛ إذ هاجمه الترك بقوة كبيرة، ونهبوا بيته في غراسة وأحرقوه، كما سلط الفرنسيون عليه بعض أنصارهم، فباغتوه في جنوبي جبل عبد العزيز وقصفوه برشاشاتهم، لكنه دافع في الهجومين ونجا.
وفي سنة ١٣٤٦ هـ صار نائبا عن شمَّر كلها في المجلس التمثيلي في دمشق، وانضوى يومئذ إلى الكتلة الوطنية، ثم اختلف مع الفرنسيين في الحسيجة لنزعته الوطنية، ومن جراء جباية الضرائب المفروضة عليه، فلقي من ذلك عنتا واضطهادا لم يتحمله إباؤه، فنزح إلى العراق، وبقى فيه زمنا إلى أن تمت له أسباب العودة إلى منازله فعاد، ولما تقدم في السن، واستلم ابن عمه الشيخ ميزر رئاسة سنجارة اختار الإقامة في دمشق غالبا، وكان فيها يقضي شيخوخة صالحة يحدث زواره بأحاديث طويلة موزونة، عما قاساه في حياته المديدة من شؤون وشجون كثيرة، وبأخبار البادية وتاريخ عشائرها، وهو في هذا الباب الحجة التي لا تبارى.