للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم من يقول: إنه في غزوة سعيد بن عثمان بن عفان رضي الله عنهما وذلك أنه طعن في خراسان.

والثالث يقول: إنه مات لديغا في غزوة سعيد بن عثمان في خراسان حيث أولج رجله في خف وإذ به حية فلدغته فمات بعد ليلة أو ليلتين والله أعلم.

والشاهد على ذلك كله بعض أبيات قصيدته المرثية التي رثى بها نفسه والراجح أنه مات في نفس الغزوة مع سعيد بن عثمان بن عفان في خراسان وهو ينازع الأعداء للإسلام والدفاع عنه حيث مات على يد الرجال الذين هجموا عليه هجمة رجل واحد كي يستطيعوا التغلب عليه ويضمنوا قتله.

والشاهد من قوله في القصيدة المرثية:

لعمري لأن غالت خراسان هامتي … لقد كنت في باب خراسان نائيا (١)

صريع على أيدي الرجال بقفره … يسوون لحدي حيث حم مابيا

والسبب في اختلافهم والله أعلم أنه كان عبرة في سلوكه وفي هدايته وفي جرأته فأرادوا أن يكون عبرة في موته كحياته.

ويقال أن معمرا (٢) جرهميا دخل على معاوية فقال له: حدثني عن أعجب ما عندك فقال: شيء سمعته أو رأيته، قال: بل رأيته، فقال: مررت ذات يوم بقوم يدفنون ميتا لهم، فلما انتهيت إليهم اغرورقت عيناي بالدموع فتمثلت بقول الشاعر:

وبينما المرء في الأحياء مغتبطا … إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصيرا

يبكي عليه غريب ليس يعرفه … وذو قرابته في الحي مسرورًا

حتى كان لم يكن إلا تذكرة … والدهر في أيما حال دهاريرا

فقال: لي رجل منهم، أتعرف من يقول هذه الأبيات؟، قلت: لا والله إلا أنني أرويها منذ زمن، فقال: إن قائلها لصاحبنا الذي دفناه الآن وأنت الغريب الذي يبكي عليه، وهذا الذي دفناه الآن أمس الناس رحما به وأسرهم بموته.


(١) المصدر السابق.
(٢) المصدر السابق ص ٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>