شاع في الناس أمركم، فيعرض على كل رجل منكم رأيه، وما يحضره، فإني متى أسمع الحزم أعرفه.
فقرر السبعة الرحيل إلى موقع الكلاب، وفيه ماء (قدة).
ولما علم بنو مذحج بذلك، اغتنموها من بني تميم وتجهزوا لغزوهم في الكلاب، وعلمت تميم بما قررته مذحج، ففزعوا إلى أكثم وقال له: قد رضيناك رئيسا، فقال: لا حاجة لي بالرئاسة، ولكنني أشير عليكم. ثم وزع الناس وأبدى لهم النصائح النافعة للمعركة القادمة، وكانت نتيجة الوقعة انتصار بني تميم وارتفاع سمعتهم وعودة قدرهم بين العرب والعجم (ولمزيد من المعلومات راجع الفصل الخاص بأيام بني تميم في الجاهلية).
وفي سنة ٥٩٠ م (قبل الهجرة بنحو ٣٣ سنة) كان أكثم زعيم الخطباء عند كسرى، وحين وفدت عليه وفود الروم والهند والصين، وخطب كسرى ففضل قومه الفُرس على جميع الأمم، وقام النعمان بن المنذر ملك الحيرة وخطب وفضل قومه العرب على جميع الأمم، فرد عليه كسرى بكلام نقص فيه العرب.
فغادر النعمان المكان وعقد مؤتمرا عربيا في الخورنق .. وطلب من رجال العرب وخطبائهم أن ينطلقوا إلى كسري ويحدثوه عن مآثر العرب وسجاياهم وأنهم على غير ما ظن فيهم وقال لهم: ليكن أول من يبدأ الكلام أكثم بن صيفي.
وعاد الوفد وحضر مجلس كسرى، فقام أكثم وقال: إن أفضل الأشياء أعاليها، وأعلى الرجال ملوكها، وأفضل الملوك أعمها نفععا، وخير الأزمنة أخصبها، وخير الخطباء أصدقها، الصدق منجاة، والكذب مهواة، والشر لجاجة، والحزم مركب صعب، وآفة الرأي الهوى، والعجز مفتاح الفقر، وخير الأمور الصبر، وحسن الظن ورطة، وسوء الظن عصمة، وإصلاح فساد الرعية خير من إصلاح فساد الراعي، ومن فسدت بطانته كان كالغاص بالماء، وشر الملوك من خافه البريء.