العام للفُرس إلى زهرة راغبا في الصلح قائلا: كنتم جيراننا، وكنا نحسن إليكم، ونحفظكم و … ، فقال زهرة: ليس أمرنا بذلك وإنما طلبنا الآخرة وقد كنا كما ذكرت إلى أن بعث الله فينا رسولا، دعانا إلى دين الحق فأجبناه، وقال: قد سلطتكم على من لم يدن به وأنا منتقم بكم منهم.
فقال رستم: وما دين الحق الذي تشير إليه؟
فقال زهرة: الشهادتان، وإخراج الناس من عبادة الخلق إلى عبادة الله.
فقال رستم: فإن أجبنا إلى هذا ترجعون. فقال زهرة: أي والله.
فانصرف عنه رستم ودعا رجال فارس وعرض عليهم الامر، فأنفوا واستكبروا فلم يسع كتائب الإسلام والمسلمين إلا أن تندفع مكبرة مهللة، ثم انجلت المعركة عن قتل رستم قائدهم العام فقام نائبه الجالينوس وحرض الفُرس على الثبات وأنى لهم ذلك وقد ذابت قوتهم المعنوية!!.
وفي تلك الساعة الرهيبة خرج زهرة كالرعد القاصف والبرق الخاطف - يعدو وراء الجالينوس فلحقه يسابق المنهزمين في الفرار فطعنه طعنة نجلاء كانت آخر وسام ناله من الدنيا، واستولى قائد المسلمين في هذه المعركة على سلب صريعه القائد الفارسي. ويقول الطبري: بلغ ثمنه بضعا وسبعين ألفا، وكان الجالينوس على برذونة فاخرة بالزينة، أما زهرة فما كان عنان فرسه إلا من حبل مضفور كالمقود وكذلك حزامها شعر منسوج.
وبعد فتح المدائن أمر (زهرة بن حوية التميمي) أن يذهب عسكره ويتتبع المنهزمين فانتهى إلى جسر النهروان وعليه كثير من الفُرس، بأعظم عدة وأحسن زينة، وهم يتزاحمون، وفي أثنائها وقع بغل في الماء فتكاثروا عليه، ووقع بغل آخر فصاروا في هرج ومرج، فقال زهرة: إن لهذا البغل لشأنا، وما تكالب عليه القوم، وصبروا مع ما في قلوبهم من الخوف إلا لأمر عظيم، فقال: احملوا عليهم، وابذلوا فيهم السيوف، فحمل المسلمون عليهم حملة صادقة فقتلوا منهم أناسا كثيرة، وولى الباقون منهزمين، فلما أخذ المسلمون البغل وجدوا عليه حلة كسرى، وثيابه، ودرعه، ووشاحه التي كان فيها الجوهر، وكان يجلس عليها